كمن هو في الدركات السفلى، وقوله: ﴿وَسُقُوا﴾: بدل ما ذكر من أشربة أهل الجنة ﴿مَاءً حَمِيمًا﴾؛ أي: بالغًا نهاية الحرارة ﴿فَقَطَّعَ﴾ بحرارته ﴿أَمْعَاءَهُمْ﴾؛ أي: مصارينهم، معطوف على الصلة عطف جملة فعلية على اسمية، لكنه راعى في الأول لفظ ﴿مَن﴾، وفي الثانية معناها، والحميم: الماء الحار الشديد الغليان، فإذا شربوه.. قطع أمعاءهم لفرط حرارته، والأمعاء: جمع معي، وهي ما في البطون من الحوايا، كما سيأتي في مبحث اللغة.
قيل: إذا دنا نهم.. شوى وجوههم، وانمازت فروة رؤوسهم؛ أي: انعزلت وانفرزت، فإذا شربوا.. قطع أمعاءهم، فخرجت من أدبارهم، فانظر بالاعتبار أيها الغافل عن القهار، هل يستوي الشراب العذب البارد، والماء الحميم المر؟.
وإنما ابتلاهم الله بذلك؛ لأن قلوبهم كانت خالية عن العلوم والمعارف الإلهية، ممتلئة بالجهل والغفلة.
١٦ - ﴿وَمِنْهُمْ﴾؛ أي (١): ومن هؤلاء الكفار الذين يتمتّعون، ويأكلون كما تأكل الأنعام ﴿مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ يا محمد، وهم: المنافقون، أفرد الضمير باعتبار لفظ ﴿من﴾، وجمع في قوله: ﴿حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ﴾ باعتبار معناها.
والمعنى: أنّ المنافقين كانوا يحضرون مواقف وعظ رسول الله - ﷺ -، ومواطن خطبه التي يصليها على المسلمين، حتى إذا خرجوا من عنده - ﷺ - ﴿قَالُوا﴾؛ أي: المنافقون على طريق الاستهزاء، وإن كان بصورة الاستعلام ﴿لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾؛ يعني: علماء الصحابة: كعبد الله بن مسعود وابن عباس وأبي الدرداء رضي الله عنهم ﴿مَاذَا قَالَ﴾ محمد ﴿آنِفًا﴾؛ أي: في الساعة الماضية القريبة منّا قبل خروجنا في وعظه؛ أي؛ في أول وقتٍ يقرب منّا.
والمعنى: أنا لم نلتفت إلى قوله؛ لأنّه كلام ساقط، فماذا قال حين تكلم؟ والمعنى: ماذا قال قبيل هذا الوقت؟

(١) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon