هدى، وعلى كل تقدير فالمراد: أنه زادهم إيمانًا وعلمًا وبصيرة في الدين.
﴿وَآتَاهُمْ﴾ الله سبحانه وتعالى، وأعطاهم ﴿تَقْوَاهُمْ﴾ وخشيتهم منه تعالى؛ أي: ألهمهم إياها، وأعانهم عليها.
والمعنى: والذين اهتدوا بالإيمان، واستماع القرآن زادهم الله تعالى على اهتدائهم هدى، وبصيرة، وعلمًا، وشرح صدورهم، وألهمهم رشدهم، وأعانهم على تقواه، حتى ارتقوا من درجة المهتدين إلى درجة الهادين، وخلق الله فيهم كمال التقوى، فلا يخافون لومة لائم، ويتنزه العارفون عما يشغل أسرارهم عن الحق، ويتبتَّلون إليه تعالى.
١٨ - ثم بين أنهم في غفلة عن النظر والتأمل في عاقبة أمرهم، فقال: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ﴾ أي: المنافقون والكافرون ﴿إِلَّا السَّاعَةَ﴾؛ أي: القيامة، سميت ساعة لسرعة قيامها، والاستفهام فيه: إنكاري؛ أي: ما ينتظرون إلا القيامة ﴿أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾؛ أي: فجأةً، بدل اشتمال من الساعة؛ أي: أن تباغتهم بغتةً.
والمعنى (١): أنهم لا يتذكَّرون بذكر أحوال الأمم الخالية، ولا بالإخبار بإتيان الساعة، وما فيها من عظائم الأمور، وما ينتظرون للتذكر إلا إتيان نفس الساعة بغتةً وفجأة ﴿فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ تعليل لمفاجأتها، لا لإتيانها مطلقًا، على معنى إنه لم يبق من الأمور الموجبة للتذكر أمر مرتقب ينتظرونه، سوى إتيان نفس الساعة بغتةً؛ لأنّه قد جاء أشراطها، وأماراتها التي منها بعثة محمد - ﷺ -، وانشقاق القمر، فلم يرفعوا لها رأسًا، ولم يعدوها من مبادي إتيانها، فيكون إتيانها بطريق المفاجأة لا محالة ﴿فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾؛ أي (٢): فمن أين لهم التذكر والتوبة إذا جاءتهم الساعة فجأة؟؛ أي: لا تنفعهم الذكرى، إذ لا تقبل التوبة، ولا يحسب الإيمان حينئذٍ، حكم بخطئهم وفساد رأيهم في تأخير التذكر إلى إتيانها ببيان استحالة نفع التذكر حينئذٍ، و ﴿فَأَنَّى﴾: خبر مقدم، و ﴿ذِكْرَاهُمْ﴾: مبتدأ مؤخر، و ﴿إذَا جَاءَتْهُمْ﴾: اعتراض وسط بينهما؛ رمزًا إلى غاية سرعة مجيئها،

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon