وجواب ﴿إِذَا﴾: محذوف؛ أي: كيف لهم التذكُّر إذا جاءتهم الساعة، فكيف يتذكّرون؟ وإطلاق المجيء عن قيد البغتة؛ لما أنَّ مدار استحالة نفع التذكر عند مجيئها مطلقًا لا مقيّدًا بالبغتة، ويحتمل أن يكون المبتدأ محذوفًا؛ أي: فأنَّى لهم الخلاص، ويكون ﴿ذِكْرَاهُمْ﴾ فاعلًا بـ ﴿جَاءَتْهُمْ﴾. اهـ "سمين". وفي "الخازن": يعني: من أين لهم التذكر والاتعاظ والتوبة إذا جاءتهم الساعة بغتة؟ اهـ.
وقرأ أبو جعفر الرؤاسي عن أهل مكة (١): ﴿أَنْ تَأْتِيَهُمْ﴾ على الشرط، وجوابه: ﴿فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾. وهذا غير مشكوك فيه؛ لأنها آتية لا محالة، لكن خوطبوا بما كانوا عليه من الشك، ومعناه: إن شككتم في إتيانها.. فقد جاء أعلامها، فالشكّ راجع إلى المخاطبين الشاكّين فيها.
قال الزمخشري: فإن قلت: فما جزاء الشرط على هذه القراءة؟
قلت: قوله: ﴿فَأَنَّى لَهُمْ﴾، ومعناه: إن تأتهم الساعة.. فكيف لهم ذكراهم؛ أي: تذكرهم واتعاظهم إذا جاءتهم الساعة؟ يعني: لا تنفعهم الذكرى حينئذٍ؛ لقوله: ﴿يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَىَ﴾.
فإن قلت: بم يتصل قوله: ﴿فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ على القراءتين؟
قلت: بإتيان الساعة اتصال العلة بالمعلول، كقولك: إن أكرمني زيد.. فأنا حقيقٌ بالإكرام أكرمه.
وقرأ الجعفي وهارون عن أبي عمرو: ﴿بَغْتَةً﴾ بفتح الغين وشدّ التاء، قال صاحب "اللوامح": وهي صفة، وانتصابها على الحال لا نظير لها في المصادر ولا في الصفات، بل في الأسماء، نحو: الحَريَّة، وهو: اسم جماعة، والسريَّة: وهو اسم مكان. انتهى.
ومعنى الآية (٢): أي إنه بعد أن قامت الأدلّة على وحدانية الله تعالى، وصدق نبوّة رسوله، وأنَّ البعث حق، وأن الله يهلك من كذب رسله، ويحل بهم

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon