الوبال والنكال، كما شاهدوا ذلك فيمن حولهم من الأمم التي أهلكها الله لتكذيبها رسلها، ولم يبق منها إلا آثارها، ولم يفدهم كل ذلك شيئًا، ولم يتعظوا، ولم يؤمنوا، فماذا ينتظرون للعظة والاعتبار؟ لا ينتظرون إلا أن تأتيهم الساعة بغتةً، إذْ جاءت علامتها، ولم يبق من الأمور الموجبة للتذكر والعظة للإيمان بالله سوى ذلك.
والخلاصة: أنّ البراهين قد نصبت، والأدلة قد وضحت على وجوب الإيمان بالله، وصدق رسوله، والبعث والنشور، وهم لم يؤمنوا، فلا يتوقع منهم إيمان بعدئذٍ، إلا حين مجيء الساعة بغتةً، وها هي ذي أشراطها قد ظهرت، ومقدّماتها قد بدأت، ولم يأبهوا بها، ولا فكَّروا في أمرها، والمراد: بيان أنهم بلغوا الغاية في العناد، والنهاية في الاستكبار.
ثم أظهر خطأهم، وحكم بأنّ رأيهم آفنٌ في تأخيرهم التذكر إلى قيام الساعة، بيبان أنَّ التذكر لا يجدي نفعًا حينئذٍ، فقال: ﴿فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ إلخ؛ أي: فمن أين التذكر إذا جاءتهم الساعة؟ فإنّ الذكرى لا تنفع حينئذٍ ولا تقبل التوبة، ولا ينفع الإيمان.
١٩ - وبعد أن أبان أنّ الذكرى لا تنفع إذ انقضت هذه الدار التي جعلت للعمل، أمر رسوله بالثبات على ما هو عليه، والاستغفار لأتباعه، فقال: ﴿فَاعْلَمْ﴾ يا محمد ﴿أَنَّهُ﴾؛ أي: أن الشأن الأعظم ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾؛ أي (١): انتفى انتفاءً عظيمًا، أن يكون معبودًا بحق غير الملك الأعظم، و ﴿الفاء﴾ فيه: للإفصاح؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا علمت أنَّ مدار السعادة هو التوحيد والطاعة، ومناط الشقاوة: هو الإشراك والعصيان، وأردت بيان ما هو اللازم لك.. فأقول لك: ﴿اعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ أي: أثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية، والعمل بموجبه، كقوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)﴾؛ أي: ثبتنا على الصراط المستقيم، وبهذا يندفع الإيراد بأنه - ﷺ -