والمؤمنين حين استماع آيات التوحيد والحشر والبعث، وغيرها أو الأمور التي أوجب الدين علينا اعتقادها بقوله فيما سلف: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾، قوله: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى﴾.. أردف هذا فذكر حالهم في الآيات العملية كآيات الجهاد والصلاة والزكاة ونحوها، فأبان أنَّ المؤمنين كانوا ينتظرون مجيئها، ويرجون نزولها، وإذا تأخرت.. كانوا يقولون: هلا أمرنا بشيء من ذلك؛ لينالوا ما يقربهم من ربهم، ويحصلوا على رضوانه، والزلفى إليه، وأنّ المنافقين كانوا إذا نزل شيء من تلك التكاليف.. شق عليهم، ونظروا نظرة المصروع الذي يشخص بصره خوفًا وهلعًا.
ثم ذكر نتيجة لما سلف، وفذلكة لما تقدم، فأعقب هذا بأنّ الله طرد المنافقين وأبعدهم من الخير، ومن قبل هذا أصمهم فلا يسمعون الكلام المستبين، وأعمى أبصارهم، فلا يسيرون على الصراط المستقيم، أما المؤمنون فقد رضي عنهم، وأرضاهم، ونالوا محبته، ودخلوا جنته فضلًا منه ورحمةً، والله ذو الفضل العظيم.
قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤)...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى لمّا ذكر أن أولئك المنافقين أبعدهم الله عز الخير فأصمهم فلم ينتفعوا بما سمعوا، وأعمى أبصارهم فلم يستفيدوا بما أبصروا.. بيَّن أو حالهم دائرة بين أمرين: إما أنهم لا يتدبرون القرآن إذا وصل إلى قلوبهم، أو أنهم يتدبرون ولكن لا تدخل معانيه في قلوبهم لكونها مقفلة، ثم ذكر أنهم رجعيًا إلى الكفر بعد أن تبين لهم الهدى بالدلائل الواضحة، والمعجزات الباهرة، وقد زيّن لهم الشيطان ذلك، وخدعهم بباطل الأماني، ثمّ بيّن سبب ارتدادهم وهو قوله لبني قريظة والنضير من اليهود: سنطيعكم في بعض أحوالكم، وهو ما حكي عنهم في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ...﴾ الآية. والله يعلم ما يصدر عنهم من كل قبيح.
ثم أردف هذا بذكر ما يصادفونه من الأهوال إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم بسبب اتباعهم أهوائهم، وعمل ما يغضب ربهم، ومن ثم أحبط