أعمالهم، وهل يعتقد هؤلاء المنافقون أنَّ الله لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين؟ بلى إنه سيوضح ذلك لذوي البصائر، ولو نشاء لأريناك أشخاصهم فعرفتهم عيانًا، ولكن لم نفعل ذلك سترًا منّا على عبادنا، وحملًا للأمور على ظاهر السلامة، وردًّا للسرائر إلى عالمها، وإنك لتعرفنهم فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم بمغامز يضعونها أثناء حديثهم، وقد كان يفهمها رسول الله، ويفهم مراميها، فلا تخفى عليه.
ثم ذكر أنه يبتلي عباده بالجهاد وغيره، ليعلم الصادق في إيمانه، الصابر على مشاقّ التكاليف من غيره، ويختبر أعمالهم حسناتهم وسيئاتهم، فيجازيهم بما قدَّموا. ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)﴾.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر أنّ المنافقين ستفضح أسرارهم، وأنهم سيلقون شديد الأهوال بين وفاتهم.. أردف ذلك بذكر حال جماعة من أهل الكتاب: وهم بنو قريظة والنضير، كفروا بالله، وصدّوا الناس عن سبيل الله، وعادوا الرسول بعد أن شاهدوا نعته في التوراة، وما ظهر على يديه من المعجزات، فهؤلاء لن يضرُّوا الله شيئًا بكفرهم، بل يضرون أنفسهم، وسيحبط الله مكايدهم التي نصبوها لإبطال دينه.
ثم ذكر قصص بني سعد، وقد أسلموا إلى رسول الله - ﷺ - وقالوا: قد آثرناك، وجئناك بنفوسنا وأهلينا، منًّا بذلك عليه، فنهاهم عن ذلك، وبيَّن لهم أنَّ هذا مما يبطل أعمالهم.
ثم أعقب هذا ببيان أن من كفروا وصدوا عن السبيل القويم، ثم ماتوا وهم على هذه الحال فلن يغفر الله لهم، ثم أرشد إلى أن عمل الكافرين الذي له صورة الحسنات محبط، وأن ذنبهم غير مغفور، وبعدئذٍ أردف هذا بأنّ الله خاذلهم في الدنيا والآخرة، فلا تبالوا بهم، ولا تظهروا ضعفًا أمامهم، فإنَّ الله ناصركم ولن يضيع أعمالكم.


الصفحة التالية
Icon