دخلًا على سبيل الشركة في خلق شيء من أجزاء العالم العلويّ، ونفي ذلك يستلزم نفي استحقاق المعبودية أيضًا.
وبعد أن بكتهم، وعجزهم عن الإتيان بسند عقلي.. عجَّزهم وبكَّتهم عن الإتيان بسند نقليّ، فقال: ﴿ائْتُونِي بِكِتَابٍ...﴾ إلخ. تبكيت (١) لهم بتعجيزهم عن الإتيان بسند نقلي بعد تبكيتهم بالتعجيز عن الإتيان بسند عقليّ. و ﴿الباء﴾ (٢): للتعدية؛ أي: ائتوني بكتاب إلهي كائن ﴿مِنْ قَبْلِ هَذَا﴾ الكتاب الذي أنزل عليَّ؛ أي: من قبل هذا القرآن الناطق بالتوحيد، وابطال الشرك، دالٍّ ذلك الكتاب على صحة دينكم؛ يعني: أنَّ جميع الكتب السماوية ناطقة بمثل ما نطق به القرآن ﴿أَو﴾ ائتوني بـ ﴿أَثَارَةٍ﴾ مصدر بوزن سماحة وغواية؛ أي: بقية كائنة ﴿مِنْ عِلْمٍ﴾ الأولين؛ أي: بقيةٍ كائنة من علم بقيت عليكم من علوم الأولين، شاهدة باستحقاقهم للعبادة ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ في دعواكم صحة عبادتها، فإنها لا تكاد تصح ما لم يقم عليها برهان عقلي أو نقليّ، وحيث لم يقم عليها شيء منهما، وقد قامت على خلافها أدلة العقل والنقل تبيَّن بطلانها.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿أَوْ أَثَارَةٍ﴾ وهو مصدر كالشجاعة والسماحة، وهي البقية من الشيء، وقرأ عليُّ وابن عباس بخلاف عنهما وزيد بن علي وعكرمة وقتادة والحسن والسلمي وأبو رجاء والأعمش وعمرو بن ميمون: ﴿أَوْ أَثَارَةٍ﴾ بفتح الهمزة والثاء بغير ألف، وهي واحدة جمعها أثر، كقترة وقتر، وقرأ عليّ والسلمي وقتادة أيضًا: بإسكان الثاء، وهي الفعلة الواحدة مما يؤثر؛ أي: قد قنعت لكم بخبر واحد، وأثر واحد يشهد بصحة قولكم، وقرأ الكسائي: ﴿أثرة﴾ بضم الهمزة وسكون الثاء، وهي لغة فيها.
وعبارة البيضاوي هنا: وقرىء: ﴿أَثَارَةٍ﴾ - بالكسر؛ أي: مناظرة، فإن المناظرة تثير المعاني، وأثرة؛ أي: شيء أوثرتم به، وإثرة بالحركات الثلاث في

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon