فيه إحدى الحسنين: إما الجنة والشهادة، وإما الظفر والغنيمة ﴿لَولَا﴾: تحضيضيّة؛ أي: هلا ﴿نزلت سُورة﴾ نؤمر فيها بالجهاد ﴿فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ﴾؛ أي: غير منسوخة أو مبينة لا تشابه فيها بوجه آخر سوى وجوب القتال، وعن قتادة: كل سورة فيها ذكر القتال فهي محكمة؛ لأنّ النسخ لا يرد عليها من قبل أنَّ القتال نسخ ما كان أو الصفح، والمهادنة، وهو غير منسوخ إلى يوم القيامة وذكر فيها القتال بطريق الأمر به؛ أي: وفرض فيها الجهاد.
قرأ الجمهور (١): ﴿فَإذَاَ أُنزِلت﴾ و ﴿ذكر﴾ على بناء الفعلين للمفعول، وقرأ زيد بن علي وابن عمير: ﴿نزلت﴾ و ﴿ذكر﴾ على فقال الفعلين للفاعل، ونصب ﴿القتال﴾؛ أي: ذكر الله القتال، وفي قراءة ابن مسعود: ﴿فإذا أنزلت سورة محدثة﴾؛ أي: محدثة النزول. ﴿رأيت﴾ يا محمد ﴿اَلَذِينَ في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ في الإيمان أو نفاق، وهو الأظهر، فيكون المراد: الإيمان الظاهري الزعمي، والكلام من إقامة المظهر مقام المضمر؛ أي: رأيت المنافقين ﴿يَنظُرُونَ إليكَ﴾ جبنًا وهلعًا ﴿نَظَرَ اَلمَغثِشي عليهِ﴾؛ أي: (٢) نظرًا كنظر من أصابته الغشية والسكرة ﴿مِنَ﴾ أجل حلول ﴿الْمَوْتِ﴾؛ أي: ينظرون إليك نظر من شخص بصره عند الميت لجبنهم عن القتال، وميلهم إلى الكفار، قال ابن قتيبة والزجاج: يريد أنهم يشخصون نحوك بأبصارهم، وينظرون إليك نظرًا شديدًا، كما ينظر الشاخص بصره عند الموت.
أي: تشخص أبصارهم جبنًا وهلعًا، كدأب من أصابته غشية الميت؛ أي: حيرته وسكرته إذا نزل به، وعاين الملائكة، والغشي: تعطل القوى المتحركة والحساسة لضعف القلب، واجتماع الروح إليه بسبب يُحقِّقه في داخل، فلا يجد منقذًا. ومن أسباب ذلك: امتلاء خانق، أو مؤذ بارد، أو جوع شديد، أو وجع شديد، أو آفة في عضو مشارك كالقلب والمعدة، كذا في "المغرب". وفي الآية إشارة إلى أنّ من أمارات الإيمان: تمني الجهاد والميت شوقًا إلى لقاء الله، ومن
(٢) روح البيان.