يعقوب، ومعناها: فهل عسيتم إن ولي عليكم ولاة جائرون أن تخرجوا عليهم في الفتنة، وتحاربوهم، وتقطعوا أرحامكم بالبغي والظلم والقتل، وقرأ الجمهور: ﴿وَتُقَطِّعُوا﴾ بالتشديد على التكثير، وقرأ أبو عمرو في رواية عنه، وسلام وعيسى ويعقوب وأبان وعصمة: بالتخفيف من القطع، مضارع قطع الثلاثي، وقرأ الحسن: ﴿وَتَقَطَعوا﴾ بفتح التاء والقاف على إسقاط حرف الجر؛ أي: بأرحامكم؛ لأنّ تقطع لازم، يقال: عسيت أن أفعل كذا، وعسيت بالفتح والكسر لغتان. ذكره الجوهري وغيره.
٢٣ - وبعد أن ذكر هناتهم، بيّن سببها، فقال: ﴿أُولَئِكَ﴾ إشارة (١) إلى المخاطبين بطريق الالتفات، إيذانًا بأنّ ذكر إهانتهم أوجب إسقاطهم عن رتبة الخطاب، وحكاية أحوالهم الفظيعة لغيرهم، وهو مبتدأ، خبره: قوله تعالى: هم ﴿الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ﴾ سبحانه؛ أي: أبعدهم، وطردهم عن رحمته ﴿فَأَصَمَّهُمْ﴾ عن استماع الحق، لتصامهم عنه بسوء اختيارهم ﴿وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ لتعاميهم عمّا يشاهدونه من الآيات المنصوبة في الأنفس والآفاق، قيل (٢): لم يقل: أصم آذانهم؛ لأنه لا يلزم من ذهاب الآذان ذهاب السماع، فلم يتعرض لها، ولم يقل: أعماهم؛ لأنه يلزم من ذهاب الأبصار - وهي الأعين - ذهاب الإبصار؛ لأن العين لها مدخل في الرؤية بخلاف الأذن، فلا مدخل لها في السمع.
قال سعدي المفتي: إصمام الآذان غير إذهابها، ولا يلزم من أحدهما الآخر، والصمم والعمى يوصف بكل منهما الجارحة، وكذلك مقابلهما من السماع والإبصار، ويوصف به صاحبهما في العرف المستمر، وقد ورد التنزيل على الاستعمالين، اختصر في الإصمام، وأطنب في الإعماء مع مراعاة الفواصل.
والمعنى (٣): أي فهؤلاء هم الذين أبعدهم من رحمته، فأصمهم عن الانتفاع

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon