مضارع أملي؛ أي: وأنا أنظرهم، كقوله: ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ﴾. ويجوز أن يكون ماضيًا سكنت منه الياء، كما تقول في يعي: بسكون الياء.
والمعنى (١): أي إنَّ الذين رجعوا القهقرى على أعاقبهم كفّارًا من بعد ما تبيَّن لهم الهدى، وقصد السبيل، فعرفوا واضح الحجج، ثم آثروا الضلال على الهدى عنادًا لأمر الله، الشيطان زيَّن لهم ذلك، وخدعهم بالآمال، وحسن لهم ما في الدنيا من لذة يتمتعون بها إلى بين، ثم يعودون كما كانوا كافرين إلى نحو ذلك من وساوسه التي لا تدخل تحت الحصر، ولا يبلغها العد.
٢٦ - ثم ذكر كيف إنهم ضلوا، فقال: ﴿ذَلِكَ﴾ الارتداد كائن ﴿بِأَنَّهُمْ﴾؛ أي: بسبب أنّ المنافقين المذكورين ﴿قَالُوا﴾ سرًّا ﴿لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ﴾؛ أي: قالوا لليهود الكارهين لنزول القرآن على رسول الله - ﷺ -، مع علمهم بأنه من عند الله، حسدًا وطمعًا في نزوله عليهم: ﴿سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ﴾ وذلك البعض: هو عداوة رسول الله - ﷺ -، ومخالفة ما جاء به، كما أفاده قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١١)﴾. وهم: بنو قريظة والنضير، الذين كانوا يوالونهم ويودونهم، وأرادوا بالبعض الذي أشاروا إلى عدم إطاعتهم فيه إظهار كفرهم، وإعلان أمرهم بالفعل قبل قتالهم وإخراجهم من ديارهم، فإنهم كانوا يفعلون ذلك قبل مساس الحاجة الضرورية الداعية إليه لما كان لهم في إظهار الإيمان من المنافع الدنيوية.
والمعنى (٢): أي سنطيعكم في بعض أموركم، أو في بعض ما تأمروننا به، كالقعود عن الجهاد، والموافقة في الخروج معهم إن أخرجوا، والتظافر على الرسول - ﷺ -.
﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾ أي: إخفاءهم لما يقولون لليهود. قرأ الجمهور (٣)
(٢) البيضاوي.
(٣) البحر المحيط.