﴿فَأَحْبَطَ﴾ لأجل ذلك ﴿أَعْمَالَهُمْ﴾ التي عملوها حال إيمانهم من الطاعات، أو بعد ذلك من أعمال البر التي لو عملوها حال الإيمان لانتفعوا بها، فالكفر والمعاصي سبب لإحباط الأعمال، وباعث على العذاب والنكال.
والمعنى: أي ذلك الهول الذي يرونه، من أجل أنهم انهمكوا في المعاصي، وزينت لهم الشهوات، وكرهوا ما يرضي الله من الإيمان به، والعمل على طاعته، والإخلاص له في السر والعلن، فأحبط ما عملوه من البر والخير، كالصدقات، والأخذ بيد الضعيف، ومساعدة البائس الفقير، وإغاثة الملهوف إلى نحو أولئك؛ إذ هم فعلوه وهم مشركون، فلم تكن لله ولا بأمره، بل بأمر الشيطان للفخر وحسن الأحدوثة بين الناس.
٢٩ - ثم بالغ في توبيخ المنافقين، وإظهار خباياهم، وإعلان نواياهم، فقال: ﴿أَمْ حَسِبَ﴾ ﴿أَمْ﴾: منقطعة بمعنى بل الإضرابية وهمزة الاستفهام الإنكاري؛ أي: بل أظن ﴿الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾؛ أي: نفاقٌ؛ لأنّ النفاق مرض قلبي، كالشك ونحوه؛ أي: بل أحسب المنافقون ﴿أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ﴾ سبحانه؛ أي: أنه لن يظهر الله ﴿أَضْغانَهُمْ﴾؛ أي: أحقادهم وبغضهم وحسدهم للمؤمنين، والأضغان: جمع ضغن بالكسر، وهو: الحقد، والحقد: إمساك العداوة في القلب، والتربص لفرصتها؛ أي: (١) بل أحسب الذين في قلوبهم حقد وعداوة للمؤمنين، أن لن يخرج الله أحقادهم، ولن يبرزها لرسول الله وللمؤمنين، فتبقى أمورهم مستورةً؛ أي: إن ذلك مما يكاد يدخل تحت الاحتمال، وفي بعض الآثار: "لا يموت ذو زيغ في الدين حتى يفتضح" وذلك لأنه كحامل الثوم، فلا بد من أن تظهر رائحته، كما أنَّ الثابت في طريق السنة كحامل امسك، إذ لا يقر على إمساك رائحته
٣٠ - ﴿وَلَوْ نَشَاءُ﴾ إراءتهم إيّاك ﴿لَأَرَيْنَاكَهُمْ﴾؛ أي: لأعلمناكهم وعرفناكهم بدلائل تعرفهم بأعيانهم معرفة تقوم مقام الرؤية، تقبل العرب: سأريك ما أصنع؛ أي: سأعلمك ﴿فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾؛ أي: بعلامتهم الخاصّة بهم، التي يتميَّزون بها، ونسمهم بها.