وعن أنس رضي الله عنه: ما خفي على رسول الله - ﷺ - بعد هذه الآية شيء من المنانقين، كان يعرفهم بسيماهم، ولقد كنّا في بعض الغزوات، وفيها تسعة من المنافقين، والناس يشكون منهم، فناموا ذات ليلة وأصبحوا وعلى وجه كل منهم مكتوب هذا منافق. وفي "عين المعاني": وعلى جبهة كل واحد مكتوب كهيئة الوشم "هذا منافق". و ﴿الفاء﴾ (١): لترتيب المعرفة على الإراءة، وما بعدها معطوف على جواب ﴿لو﴾ و ﴿اللام﴾: لام الجواب، وكرّرت في المعطوف للتأكيد، وأمّا ﴿اللام﴾ في قوله: ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾: فهي لام جواب قسم محذوف، و ﴿لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ معناه: فحواه ومقصده ومغزاه، وما يعرضون به من تهجين أمرك وأمر المسلمين واستهزائه، وكان - ﷺ - بعد هذا لا يتكلم منافق عنده إلا عرفه، قال أبو زيد: لحنت له اللحن: إذا قلت له قولًا يفقهه عنك، ويخفى على غيره، ومنه قول الشاعر:
مَنْطِقٌ صَائبٌ وَتَلْحَنُ أَحْيَا | نَا فخَيْرُ الأْحَاديْثِ مَا كَانَ لَحْنَا |
أي: والله إنك يا محمد لتعرفن المنافقين في وجه خفي من القول، فيفهمه النبي - ﷺ -، ولا يفهمه غيره، ولكن لم يظهره إلى أن أذن الله تعالى له في إظهار أمرهم، وفي المنع من الصلاة على جنائزهم، والقيام على قبورهم.
ومعنى الآية: أي (٢) ولو نشاء أيها الرسول لعرّفناك أشخاصهم، فعرفتهم عيانًا بعلامات هي غالبة عليهم، ولكنّه لم يفعل ذلك في جميع المنافقين للستر على خلقه، وردًا للسرائر إلى عالمها، وحرصًا على أن لا يؤذى ذوي قرباهم من المخلصين ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾؛ أي: ولتعرفنهم فيما يدارونه من القول، فيعدلون عن التصريح بمقاصدهم إلى التعريض والإشارة، وإياه عنى القائل في مدح محبوبته، فقال:
(٢) المراغي.