هذا التوبيخ، وما أمضى ألمه لهؤلاء المشركين على سوء رأيهم، وقبح اختيارهم في عبادتهم ما لا يعقل شيئًا ولا يفهم، وتركهم عبادة من بيده جميع نعمهم، ومن به إغاثتهم حين تنزل بهم الجوائح والمصائب.
٦ - وبعد أن أبان أنهم لا ينفعونهم في الدنيا، ولا يستجيبون لهم دعاء.. أبان حالهم في الآخرة فقال: ﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ﴾ أي: وإذا جمع الناس لموقف الحساب.. ﴿كَانُوا﴾؛ أي: الأصنام ﴿لَهُم﴾؛ أي؛ لعابديهم ﴿أَعْدَاءً﴾ يضرُّونهم ولا ينفعونهم؛ أي: كانت هذه الآلهة التي يعبدونها في الدنيا أعداء لهم؛ إذ يتبرؤون منهم ﴿وَكَانُوا﴾؛ أي: الأصنام ﴿بِعِبَادَتِهِمْ﴾؛ أي: بعبادة عابديهم ﴿كَافِرِينَ﴾؛ أي؛ منكرين مكذبين بلسان الحال، أو المقال، على ما يروى أنه تعالى يحيي الأصنام فتتبرأ من عبادتهم، وتقول: إنهم إنما عبدوا في الحقيقة أهواءهم (١)؛ لأنها الآمرة بالإشراك.
والمعنى (٢): أي وإذا جمع الناس العابدون للأصنام في موقف الحساب.. كانت الأصنام لهم أعداء تتبرّأ منهم وتلعنهم، وكانوا جاحدين مكذبين منكرين لعبادتهم، فيخلق الله الحياة في الأصنام فتكذّبهم، وتتبرّأ الملائكة والمسيح وعزير والشياطين ممن عبدوهم يوم القيامة، ونظير الآية قوله تعالى في سورة مريم: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢)﴾، وقوله في سورة العنكبوت حكاية عن إبراهيم عليه السلام: ﴿وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٥)﴾.
٧ - ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على الكفار ﴿آيَاتُنَا﴾ القرآنية حالة كونها ﴿بَيِّنَاتٍ﴾؛ أي: واضحات الدلالة على مدلولاتها من حلال وحرام وحشر ونشر وغيرها.. ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من أهل مكة ﴿للْحَقَّ﴾؛ أي: لأجل الحقّ، وشأنه الذي هو
(٢) روح البيان.