أسباب النصر الذي وعد الله تعالى نبيَّه - ﷺ -؛ أي: جعل السكينة، والطمأنينة، وعدم التزلزل في قلوبهم، بسبب الصلح والأمن بعد الخوف؛ لأنهم كانوا قليلي العدة بسبب أنهم معتمرون، وكان الأعداء مستعدِّين لقتالهم، مع ما لهم من القوّة، والشوكة، وشدة البأس، فثبتوا وبايعوا على الموت بفضل الله تعالى ﴿لِيَزْدَادُوا﴾ بسبب تلك السكينة ﴿إِيمَانًا﴾؛ أي: يقينًا وتصديقًا ﴿مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾؛ أي: منضمًّا إلى إيمانهم الحاصل لهم من قبل، قال الكلبيّ: كلما نزلت آية من السماء، فصدّقوا بها.. ازدادوا تصديقًا إلى تصديقهم، وقال الربيع بن أنس: خشيةً مع خشيتهم.
والمعنى (١): هو الذي أنزل في قلوب المؤمنين طمأنينة، وثبات أقدام عند اللقاء، ومقاتلة الأعداء، ليزدادوا يقينًا في دينهم إلى يقينهم برسوخ عقيدتهم واطمئنان نفوسهم بعد أن دهمهم من الحوادث ما من شأنه أن يزعج ذوي الأحلام، ويزلزل العقائد بصدّ الكفار لهم عن المسجد الحرام، ورجوعهم دون بلوغ مقصدهم، ولكن لم يرجع أحد منهم عن الإيمان، بعد أن هاج الناس وزلزلوا زلزالًا شديدًا، حتى إنّ عمر بن الخطاب لم يكن راضيًا عن هذا الصلح، وقال: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟. وكان للصديق من القدم الثابتة، ورسوخ الإيمان ما دلّ على أنه لا يجارى ولا يبارى. أو المعنى: ليزدادوا (٢) إيمانًا بشرائع الدين مع إيمانهم بالله ورسوله، وليزدادوا إيمانًا بالفروع مع إيمانهم بالأصول، فإنهم آمنوا بأنّ محمدًا رسول الله، وأنّ الله واحد، والحشر كائن، وآمنوا بأنّ كل ما يأمر الله به واجب، وبأنّ كلّ ما يقوله النبيّ - ﷺ - صدق، وهو الذي قد قال لهم: "لا بد من أن تدخلوا مكة، وتطوفوا بالبيت".
ولمّا قال الله: (٣) ﴿وَيَنْصُرَكَ الله نَصْرًا عَزِيزًا﴾، وكان المؤمنون في قلّة من العَدد والعُدد.. فكأنّ قائلًا قال: كيف ينصره؟ فأجابه الله سبحانه
(٢) المراح.
(٣) الخازن.