والعسل، حال كونهم ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾؛ أي: مقدّرين الخلود في الجنة لا يموتون، ولا يخرجون منها، متعلقة بمقدر يقتضيه السياق، تقديره: هو الذي (١) أنزل السكينة في قلوب المؤمنين؛ ليدخلهم جنات.. إلخ. وقيل: تقديره: إن من علمه وحكمته أن سكن قلوب المؤمنين بصلح الحديبية، ووعدهم الفتح والنصر، ليشكروه على نعمه، فيثيبهم ويدخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار.
وقيل (٢): متعلقة بما يدل عليه ما ذكر من كون جنود السموات والأرض له تعالى من معنى التصرّف والتدبير؛ أي: دبّر ما دبَّر من تسليط المؤمنين، ليعرفوا نعمة الله في ذلك، ويشكروها، فيدخلهم الجنة، وقد تقدّم ما روي عن أنس: أنه لما نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾.. قال الصحابة: هنيئًا مريئًا، قد بيَّن الله تعالى ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله عزّ وجل الآية التي بعدها: ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ إلخ.
﴿وَيُكَفِّرَ﴾؛ أي: يستر ﴿عَنْهُمْ﴾؛ أي: عن المؤمنين ﴿سَيِّئَاتِهِمْ﴾؛ أي: ذنوبهم ولا يظهرها، وهذا (٣) بإزاء قوله: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ الله﴾؛ أي: يغطيها ولا يظهرها، قبل أن يدخلهم الجنة؛ ليدخلوها مطهَّرين من الآثام، وتقديم الإدخال على التكفير، مع أنّ الترتيب في الوجود على العكس، من حيث إنَّ التخلية قبل التحلية للمسارعة إلى بيان ما هو المطلب الأعلى، والمقصد الأسنى. أو يقال: إنّ الواو لا تقتضي الترتيب ﴿وَكَانَ ذَلِكَ﴾؛ أي: ما ذكر من الإدخال والتكفير ﴿عِنْدَ اللهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿فَوْزًا عَظِيمًا﴾ لا يقادر قدره؛ لأنه منتهى ما يمتد إليه أعناق الهمم من جلب نفع، ودفع ضرّ، والفوز: الظفر بالمطلوب مع حصول السلامة، و ﴿عِنْدَ اللهِ﴾: حال من ﴿فَوْزًا﴾؛ لأنه صفته في الأصل، فلما قدم عليه.. صار حالًا؛ أي: كائنًا عند الله تعالى؛ أي: في علمه وقضائه.
أي: وكان (٤) ذلك الوعد بإدخالهم الجنة، وتكفير سيئاتهم عند الله وفي

(١) الخازن.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.
(٤) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon