والإضافة فيه كالإضافة في سيف شجاع، من حيث إنّ المضاف إليه في الحقيقة هو موصوف هذا المجرور، والتقدير: سيف رجل شجاع، فكذا التقدير هنا: ظن الأمر السوء، وهو أنّ الله لا ينصر رسوله، ولا يرجعهم إلى مكة فاتحين، ولا إلى المدينة سالمين، كما قال: ﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا﴾.
والمعنى: الذين يظنون بالله الأمر السيء الفاسد الردىء ظنًّا. وقال في "كشف الكشاف": إنّ ظن السوء مثل رجل صدق؛ أي: يظنون الظنَّ السيء الفاسد المذموم. انتهى، وعند البصريين لا يجوز إضافة الموصوف إلى صفته ولا عكسها؛ لأنّ الصفة والموصوف عبارتان عن شيء واحد، فإضافة أحدهما إلى الآخر، كإضافة الشيء إلى نفسه، وفي "التأويلات النجمية": ﴿الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾ في ذاته وصفاته بالأهواء والبدع، وفي أفعاله، وأحكامه بالظلم والعبث.
﴿عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على المشركين والمنافقين ﴿دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾؛ أي: الأمر السيء الرديء الذي يظنونه بالمؤمنين، ويتربّصونه بهم، دائر عليهم، حائق بهم، لا يتجاوزهم إلى غيرهم، فقد أكذب الله سبحانه ظنهم، وقلب ما يظنونه بالمؤمنين عليهم بحيث لا يتخطاهم، ولا يظفرون بالنصرة أبدًا، كقوله: ﴿وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾. وقال أبو السعود: في سورة التوبة: ﴿عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾: دعاء عليهم بنحو ما أرادوا بالمؤمنين على نهج الاعتراض، كقوله تعالى: ﴿غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ﴾ بعد قول اليهود ما قالوا. اهـ.
فإن قلت: كيف يحمل على الدعاء، وهو للعاجز عرفًا، والله منزه عن العجز؟
قلت: هذا تعليم من الله لعباده أنه يجوز الدعاء عليهم، كقوله تعالى: ﴿وَقَتْلَهُمُ الله﴾، ونحوه.
وقرأ الجمهور (١): ﴿السُّوءِ﴾ في الموضعين بفتح السين، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: بضمها، وهما (٢) لغتان في مصدر ساء بمعنى واحد، كالكره والكره،

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon