والمعنى (١)؛ أي إنا أرسلناك أيّها الرسول شاهدًا على أمّتك بما أجابوك فيما دعوتهم إليه، مما أرسلناك به إليهم، مبشّرًا لهم بالجنة إن أجابوك إلى ما دعوتهم إليه من الدين القيّم، ونذيرًا لهم عذاب الله إن تولّوا، وأعرضوا عمّا جئتهم به من عنده، فآمنوا بالله ورسوله، وانصروا دينه، وعظّموه وسبّحوه في الغدّو والعشيّ.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿لِتُؤْمِنُوا﴾ والأفعال الثلاثة بعده بتاء الخطاب، وأبو جعفر وأبو حيوة وابن كثير وأبو عمرو: بياء الغيبة فيها، والكنايات الثلاثة راجعة إلى الله تعالى؛ لتكون على وتيرة واحدة، كما جرينا عليه في حلّنا، ويصحّ رجوعها إلى رسول الله - ﷺ -، فحينئذٍ معنى ﴿يسبحوه﴾: ينزهوه - ﷺ - من كل وصمة بإخلاف وعده بدخول مكة، والطواف بالبيت الحرام، وبنحو ذلك.
وقرأ الجحدري: ﴿وتعزروه﴾ بفتح التاء وضم الزاي مخففةً، وقرأ جعفر بن محمد: ﴿وتعزروه﴾ بضم التاء وكسر الزاي، وقرأ ابن عباس واليمانيّ: ﴿وتعزّزوه﴾ بزايين، من العزة، وقرىء: ﴿وتوقروه﴾ بسكون الواو.
١٠ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ﴾؛ أي: إنّ الذين بايعوك، وعاهدوك يا محمد على أن لا يفرّوا من قتال قريش تحت شجرة السمرة في الحديبية بيعة الرضوان، وهم مقدار ألف وخمس مئة أو أربع مئة رجل، سميت (٣) المعاهدة مبايعة؛ تشبيهًا بالمعاوضة الماليّة؛ أي: مبادلة المال بالمال في اشتمال كل واحد منهما على معنى المبادلة، فهم التزموا طاعة النبيّ - ﷺ -، والثبات على محاربة المشركين، والنبيّ - ﷺ - وعدهم بالثواب، ورضا الله تعالى، قال بعض الأنصار عند بيعة العقبة: تكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت، فقال - ﷺ -: "أشترط لربّي أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئًا، ولنفسي أن تمنعوني، ومما تمنعوني منه: أنفسكم، وأبناءكم، ونساءكم" فقال ابن رواحة رضي الله عنه: فإذا فعلنا فما لنا؟

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط والمراح.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon