فقال: "لكم الجنة". قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل. وفي "الخازن": وأصل البيعة: العقد الذي يعقده الإنسان على نفسه من بذل الطاعة للإمام، والوفاء بالعهد الذي التزمه له، والمراد بهذه البيعة: بيعة الرضوان.
﴿إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ﴾ سبحانه وتعالى أنفسهم بالجنة؛ أي: إنّ (١) من بايعك بمنزلة من بايع الله، كأنهم باعوا أنفسهم من الله بالجنة، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾. وذلك لأنّ المقصود ببيعة رسوله: هو وجه الله، وتوثيق العهد بمراعاة أوامره ونواهيه، قال ابن الشيخ: لمّا كان الثواب إنما يصل إليهم من قبله تعالى.. كان المقصود بالمبايعة منه - ﷺ -: المبايعة مع الله سبحانه، وأنه - ﷺ - إنما هو سفير، ومعبِّر عنه تعالى، وبهذا الاعتبار صاروا كأنهم يبايعون الله تعالى.
وقرأ تمام بن العباس بن عبد المطلب: ﴿إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ﴾؛ أي: لأجل الله ولوجهه، والمفعول: محذوف؛ أي: إنما يبايعونك لله، ذكره في "البحر".
والمعنى: أن عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع الله تعالى، من غير تفاوت بينهما؛ لأنّ من بايع النبي - ﷺ - أن لا يفرّ من موضع القتال إلى أن يقتل، أو أن يفتح الله لهم، وإن كان يقصد ببيعته رضا الرسول ظاهرًا، لكن إنما يقصد بها حقيقةً رضا الرحمن، فإنّ المقصود توثيق العهد بمراعاة أوامره ونواهيه، وهذا يسمى بيعة الرضوان؛ لقول الله تعالى في شأن هذه البيعة: ﴿لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ...﴾ الآية.
وجملة قوله: ﴿يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾: مستأنفة (٢) لتقرير ما قبلها على طريق التخييل في محل نصب على الحال؛ أي: نعمة (٣) الله عليهم في الهداية فوق إحسانهم إلى الله، وهو ما صنعوا من البيعة، أو نصرة الله تعالى إيّاهم أعلى من نصرتهم إياه، ويقال: حفظ الله إياهم على البيعة أقوى من وضع يد ثالث على
(٢) الشوكاني.
(٣) المراح.