أيدي المتبايعين لحفظ أيديهما إلى أنّ يتم العقد، فإن كل واحد من المتبايعين إذا مد يده إلى صاحبه في البيع والشراء.. يتوسط بينهما ثالث، فيضع يده على يديهما، فيحفظ يديهما إلى أنّ يتم العقد، لا يترك واحدًا منهما أن يقبض يده إلى نفسه، ويتفرق عن صاحبه قبل انعقاد البيع، فيكون وضع الثالث يده على يديهما سببًا لحفظ البيعة، فلذلك قال تعالى: ﴿يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ يحفظهم، ويمنعهم عن ترك البيعة، كما يحفظ المتوسّط أيدي المتبايعين.
فيد الله في هذه التأويلات: إما بمعنى النعمة، أو بمعنى النصرة، أو بمعنى الحفظ، وقال سعدي المفتي: الظاهر: والله أعلم أنَّ المعنى على التشبيه؛ أي: كأنهم يبايعون الله، وكذا الحال في قوله: ﴿يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾؛ أي: كأنَّ يد الله حين المبايعة فوق أيديهم، حذف أداة التشبيه للمبالغة في التأكيد، وذكر اليد لأخذهم بيد رسول الله - ﷺ - حين البيعة على ما هو عادة العرب عند المعاهدة والمعاقدة، وفيه تشريف عظيم ليد رسول الله - ﷺ -، التي تعلوا أيدي المؤمنين المبايعين، حيث عبّر عنها بيد الله، كما أنَّ وضعه - ﷺ - يده اليمنى على يده اليسرى لبيعة عثمان رضي الله عنه تفخيم لشأن عثمان، حيث وضعت يد رسول الله - ﷺ - موضع يده، ولم ينل تلك الدولة العظمى أحد من الأصحاب، فكانت غيبته رضي الله عنه في تلك الواقعة خيرًا له من الحضور، وقيل غير ذلك من الأقوال المتلاطمة، وقيل: إنّ في الكلام حذف مضاف؛ أي: يد رسول الله - ﷺ - فوق أيديهم عند المبايعة.
تنبيه هام: وهذا الذي ذكرناه من الأقاويل: مذهب أهل التأويل، وكلامهم في هذه الآية، ومذهب أهل السلف، وهو الأصحّ الصحيح، والأسلم السليم: السكوت عن التأويل، وإمرار آيات الصفات كما جاءت وتفسيرها قراءتها، والإيمان بها من غير تشبيه ولا تكييف ولا تعطيل، والله أعلم بمعنى كلامه وأسرار كتابه.
وعن يزيد بن عبيد قال: قلت لسلمة بن الأكوع: على أيّ شيءٍ بايعتم رسول الله - ﷺ -؟ قال: على الموت. متفق عليه.


الصفحة التالية
Icon