وعن معقل بن يسار قال: لقد رأيتني يوم الشجرة، والنبي - ﷺ - يبايع الناس، وأنا رافع غصنًا من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشرة مئة قال: لم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على أن لا نفرَّ. أخرجه مسلم.
قال العلماء: لا منافاة بين الحديثين، ومعناهما صحيح، فيقال في الجمع بينهما: بايعه جماعة، منهم: سلمة بن الأكوع على الموت، فلا يزالون يقاتلون بين يديه حتى يقتلوا، أو ينتصروا، وبايعه جماعة، منهم: معقل بن يسار على أن لا يفرّوا.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إنّ الناس كانوا مع النبي - ﷺ - يوم الحديبية، تفرَّقوا في ظلال الشجر، فإذا الناس محدقون بالنبي - ﷺ -، فقال - يعني: عمر -: يا عبد الله، انظر ما شأن الناس أحدقوا بالنبي - ﷺ -، فذهب، فوجدهم يبايعون، فبايع ثم رجع إلى عمر، فخرج فبايع. أخرجه البخاري.
بيعة الرضوان بيعة الشجرة
سبب هذه البيعة: أنّ رسول الله - ﷺ - دعا خراش بن أميّة الخزاعيّ حين نزل الحديبية، فبعثه إلى قريش بمكة ليبلّغ أشرافهم عنه ما جاء له، فعقروا جمل رسول الله - ﷺ -، وأرادوا قتله، فمنعه الأحابيش، واحدهم أحبوش: وهو الفوج من قبائل شتّى، فخلّوا سبيله حتى أتى رسول الله - ﷺ -، فأخبره، فدعا رسول الله - ﷺ - عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليبعثه، فقال: إنيّ أخافهم على نفسي لما أعرف من عداوتي إياهم، وما بمكة عدويٌّ، قبيلته بنو عدي، ولكني أدلك على رجل هو أعز بها، وأحبّ إليهم: عثمان بن عفان، فبعثه إلى أبي سفيان، وأشراف قريش، يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وإنما جاء زائرًا لهذا البيت معظّمًا لحرمته، فلقيه أبان بن سعيد بن العاصي حين دخل مكة، فجعله في جواره حتى فرغ من رسالته لعظماء قريش، ثمّ احتبسوه عندهم، فشاع بين المسلمين أنّ عثمان قد قتل، فقال رسول الله - ﷺ -: "لا نبرح حتى نناجز القوم" ودعا الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، وبايعه القوم على أن لا يفرّوا أبدًا إلا جدَّ بن قيس الأنصاري، فأرعب ذلك المشركين، وأرسلوا داعين إلى الموادعة والصلح،