وزيد بن عليّ: بالنون.
١١ - ﴿سَيَقُولُ لَكَ﴾ السين فيه: للاستقبال ﴿الْمُخَلَّفُونَ﴾ من خلّفته بالتشديد تركته خفي، وخلفوا أثقالهم تخليفًا خلّوها وراء ظهورهم؛ أي: سيقول لك يا محمد، الأحياء الذين خلّفتهم وتركتهم وراءك في المدينة، حين سافرت إلى مكة ﴿مِنَ الْأَعْرَابِ﴾ الذين خلَّفهم الله تعالى عن صحبتك، إذا رجعت إليهم من عمرتك هذه، وعاتبتهم على التخلف عنك: ﴿شَغَلَتْنَا﴾ عن المسافرة والخروج معك ﴿أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾؛ أي: نساؤنا وذرارينا؛ يعني: لم يكن لنا من يخلفنا فيهم، فلذا تخلفنا عنك، قال ابن عباس ومجاهد: يعني: أعراب غفار ومزينة وجهينة وأشجع وأسلم والنخع، وذلك أنّ رسول الله - ﷺ - حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرًا.. استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه، حذرًا من قريش أن يعرضوا له بحرب، أو يصدوه عن البيت، فأحرم بالعمرة، وساق الهدي؛ ليعلم الناس أنه لا يريد حربًا، فتثاقل عنه كثير من الأعراب، وتخلّفوا، واعتلّوا بالشغل، فأنزل الله فيهم: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ﴾، إذا رجعت إليهم من عمرتك: ﴿شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾؛ أي: منعنا عن الخروج معك مالنا، من الأموال والنساء والذراريّ، وليس لنا من يقوم بهم، ويخلفنا عليهم، فإنا لو تركناهم.. لضاعوا، وأنت قد نهيت عن ضياع المال، وعن التفريط في العيال، وقرىء (١): ﴿شَغَلَتْنَا﴾ بتشديد الغين، حكاه الكسائي، وهي قراءة إبراهيم بن نوح بن باذان عن قتيبة.
ولمّا علموا أنّ ذلك التخلُّف عن الرسول الله - ﷺ - كان معصية.. سألوا أن يستغفر لهم ﴿فـ﴾ قالوا: ﴿اسْتَغْفِرْ لَنَا﴾ الله يا رسول الله بتأخرنا عنك عن الخروج إلى الحديبية؛ أي: فاطلب لنا المغفرة من الله، إذ لم يكن تخلَّفنا عن عصيان لك، ولا مخالفة لأمرك؛ ليغفر الله لنا ما وقع منا من التخلف عنك بهذا السبب.
ولمّا كان طلب الاستغفار منهم ليس عن اعتقاد، بل على طريقة الاستهزاء،

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon