وكانت بواطنهم مخالفةً لظواهرهم.. فضحهم الله سبحانه بقوله: ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ﴾؛ يعني: أنهم في طلب الاستغفار كاذبون؛ لأنّهم لا يبالون أستغفر لهم النبيّ - ﷺ - أم لا، وهذا صنيع المنافقين، والجملة مستأنفة لبيان ما تنطوي عليه بواطنهم، ويجوز أن تكون بدلًا من الجملة الأولى؛ أي: إنهم لم يكونوا صادقين في اعتذارهم بأنَّ الامتناع كان لهذا السبب؛ لأنّهم إنّما تخلَّفوا اعتقادًا منهم أنّ النبيّ - ﷺ - والمؤمنين يغلبون، بدليل قوله: ﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا﴾. فإنهم (١) قالوا: أهل مكة يقاتلون في باب المدينة، فكيف يذهب إلى قوم قد غزوا في عقر داره بالمدينة، وقتلوا أصحابه في أحد؟ وكيف يكون حالهم إذا دخل عدوّهم بلادهم، وأحاطوا بهم؟.
ثم أمر الله سبحانه رسوله - ﷺ - أن يجيب عنهم، فقال: ﴿قُل﴾ يا محمد ردًّا لهم عند اعتذارهم إليك بأباطيلهم: ﴿فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ﴾؛ أي: فمن يقدر لأجلكم ﴿مِنَ اللهِ﴾؛ أي: من مشيئة الله، وقضائه أن يجلب ﴿شَيْئًا﴾ من النفع ﴿إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا﴾ أو من يحفظكم من مشيئته وقضائه، إن أراد بكم ضرًّا.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿ضَرًّا﴾ بفتح الضاد، وهو مصدر ضررته ضرًّا، وقرأ حمزة والكسائي: بضمها، وهو اسم ما يضر، وقيل: هما لغتان في المصدر؛ أي: إن أراد بكم ما يضركم، كقتل وهزيمة، وخلل في المال والأهل، وعقوبة على التخلف من هلاك الأهل والأموال، وضياعهما حتى تتخلّفوا عن الخروج لحفظهما، ودفع الضرر عنهما. ﴿أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا﴾؛ أي: ومن يقدر على شيء من الضرر إن أراد بكم ما ينفعكم من حفظ أموالكم وأهليكم؛ فأيُّ حاجة إلى التخلف لأجل القيام بحفظهما.
أي: قل لهم (٣): إنكم بعملكم هذا تحترسون من الضر، وتتركون أمر الله ورسوله، وتقعدون طلبًا للسلامة، ولكن لو أراد الله بكم ضرًّا.. لا ينفعكم
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.