قعودكم شيئًا، أو أراد بكم نفعًا، فلا راد له، إذ من الذي يمنع من قضائه، وهذا ردّ عليهم حين ظنوا أن التخلف عن رسول الله - ﷺ - يدفع عنهم الضر، ويجلب لهم النفع.
ثم أبان لهم أنه عليم بجميع نواياهم، وأنّ ما أظهروه من العذر هو غير ما أبطنوه من الشك والنفاق، فقال: ﴿بَلْ كَانَ الله﴾ سبحانه وتعالى ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾؛ أي: عليمًا بجميع ما تعملونه بواطنه وظواهره، فيعلم أنَّ تخلفكم لم يكن لما أظهرتم من المعاذير، بل كان شكًّا ونفاقًا،
١٢ - كما فصَّل ذلك بقوله: ﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ...﴾ إلخ: بدل (١) من ﴿كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ مفسِّرٌ لما فيه من الإبهام؛ أي: بل ظننتم أيها المخلفون ﴿أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ﴾؛ أي: أنه لن ينقلب، ولن يرجع، فـ ﴿أَنْ﴾: مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن ﴿الرَّسُولُ﴾ محمد - ﷺ - ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ الذين معه: وهم ألف وأربع مئة ﴿إِلَى أَهْلِيهِمْ﴾ في المدينة ﴿أَبَدًا﴾ لظنكم أن يستأصلهم المشركون بالكلية، فخشيتم إن كنتم معهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم، فلأجل ذلك الظنّ تخلَّفتم، لا لما ذكرتم من المعاذير الباطلة.
وقرأ عبد الله (٢): ﴿إلى أهلهم﴾ بغير ياءٍ، وأهلون: (٣) جمع أهل، كأرضون جمع أرض، وقد يجمع على أهلات كأرضات على أنّ أصله: أهلة، وأما أهال قاسم جمع، كليال.
﴿وَزُيِّنَ ذَلِكَ﴾ الظن المذكور ﴿في قُلُوبِكُمْ﴾؛ أي: زيَّنه الشيطان في قلوبكم، وقبلتموه، واشتغلتم بشأن أنفسكم غير مبالين بهم، وقرأ الجمهور: ﴿وَزُيِّنَ﴾ مبنيًا للمفعول، وقرىء: مبنيًا للفاعل، والفاعل الله حقيقةً، أو الشيطان مجازًا ﴿وَظَنَنْتُمْ﴾ في الرسول والمؤمنين ﴿ظَنَّ السَّوْءِ﴾؛ أي: ظننتم فيهم الأمر السّيء الفاسد الرديء ظنًّا، وهو عدم انقلابهم إلى أهاليهم، وعدم نصر الله إياهم، والظنّ: منصوب على المصدرية، مضاف إلى موصوف محذوف، كما مرّ، وهذا
(٢) البحر المحيط.
(٣) البيضاوي.