وقرأ الجمهور (١): ﴿كَلَامَ اللَّهِ﴾ بألف، وقرأ حمزة والكسائي: ﴿كَلِمَ الله﴾ بلا ألف: جمع كلمة مثل: نبق ونبقةٍ، فالمراد بتبديلهم كلام الله تعالى: قصد مشاركتهم في المغانم التي خصّها بأهل الحديبية، فإنه - ﷺ - رجع من الحديبية في ذي الحجة من سنة ست، وأقام بالمدينة بقيتها وأوائل المحرم من سنة سبع، ثم غزا خيبر بمن شهد الحديبية، ففتحها، وغنم أموالًا كثيرة، فخصَّها بهم حسبما أمره الله تعالى، فالمراد بكلام الله: ما ذكر من وعده تعالى غنائم خيبر لأهل الحديبية خاصةً، لا قوله تعالى: ﴿لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا﴾ فإنّ ذلك نزل في غزوة تبوك مرجع رسول الله - ﷺ - من تبوك في آخر عمره، وهذه السورة نزلت عام الحديبية.
ثم أمر الله سبحانه رسوله - ﷺ - أن يقول لهم إقناطًا وتيئيسًا من الذهاب معه إلى خيبر، بقوله: ﴿قُل﴾ يا محمد لهؤلاء المخلّفين الذين يريدون تبديل كلام الله إقناطًا لهم: ﴿لَنْ تَتَّبِعُونَا﴾ في المسير إلى خيبر، ولن تذهبوا معنا؛ أي: لا تتبعونا، فإنه نفي في معنى النهي للمبالغة. وقال سعدي المفتي: ﴿لَنْ﴾ ليس (٢) للتأبيد، سيّما إذا أريد النهي.
والمراد: لن تتبعونا في خيبر، أو ديمومتهم على مرض القلوب، وقال أبو الليث: لن تتبعونا في المسير إلى خيبر، إلا متطوعين من غير أن يكون لكم شركة في الغنيمة.
﴿كَذَلِكُمْ﴾؛ أي: قولًا مثل ما قلته لكم ﴿قَالَ الله﴾ سبحانه ﴿مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: من قبل رجوعنا من الحديبية إليكم؛ أي: قال عند انصرافنا من الحديبية: إنّ غنيمة خيبر لمن شهد الحديبيّة خاصة، ليس لغيرهم فيها نصيب. ﴿فَسَيَقُولُونَ﴾؛ أي: فسيقول المنافقون للمؤمنين عند سماع هذا النهي: ﴿بَلْ تَحْسُدُونَنَا﴾؛ أي: ليس ذلك النهي حكم الله، بل تحسدوننا أن نشارككم في الغنائم؛ أي: بل ما يمنع من خروجنا معكم إلا الحسد منكم؛ لئلّا نشارككم في الغنيمة، وليس ذلك

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon