الآخرة لتضاعف جرمكم.
وبيان المقام (١): أنه - ﷺ - لمّا قال لهم: "لن تتبعونا".. دعت الحاجة إلى بيان قبول توبة من رجع منهم عن النفاق، فجعل تعالى لهذا القبول علامة، وهو أنهم يدعون بعد وفاته - ﷺ - إلى محاربة قوم أولي بأس وقوة في الحرب، فمن أجاب منهم دعوة إمام ذلك الزمان، وحاربهم.. فإنه يقبل توبته، ويعطى الأجر الحسن، فلولا هذا الامتحان.. لاستمرّ حالهم على النفاق، كما استمرت حالة ثعلبة عليه، فإنه قد امتنع من أداء الزكاة، ثمّ أتى بها، ولم يقبل منه النبي - ﷺ -، واستمر عليه الحال، ولم يقبل منه أحد من الصحابة، فلعلَّه تعالى علم من ثعلبة أنَّ حاله لا تتغيّر، فلم يبيّن لتوبته علامةً، وعلم من أحوال الأعراب أنها تتغيّر، فبيّن لتغيُّرها علامةً. والله أعلم.
١٧ - روي: أنه لمّا نزل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ﴾ الآية.. قال أهل الزمانة: كيف بنا يا رسول الله؟ فأنزل الله: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ﴾ الآية، فبيَّن فيها الأعذار المبيحة للتخلف عن القتال بقوله: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى﴾؛ أي: فاقد البصر ﴿حَرَجٌ﴾؛ أي: إثم في التخلف عن الغزو؛ لأنّه كالطائر المقصوص الجناح لا يمتنع على من قصده، والتكليف يدور على الاستطاعة ﴿وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ﴾؛ أي: على فاقد منفعة الرجل ﴿حَرَجٌ﴾؛ أي: ذنب في التخلّف عن الجهاد لما به من العلّة اللازمة إحدى الرجلين أو كلتيهما، وقد سقط عمّن ليس له رجلان غسلهما في الوضوء، فكيف بالجهاد؟! ﴿وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ﴾ مرضًا يمنع من الجهاد ﴿حَرَجٌ﴾ لأنّه لا قوّة به، وفي نفي الحرج عن كلّ من الطوائف المعدودة مزيد اعتناء بأمرهم، وتوسيع لدائرة الرخصة.
والمعنى: أي ليس (٢) على من في عضوه أو قوّته خلل مأثم في التخلّف عن الغزو، وكذا فقير لا يمكن له استصحاب ما يحتاج إليه من مصالح الجهاد، وإنما قدَّم الأعمى على الأعرج؛ لأنَّ عذره مستمر، لا يمكن الانتفاع به في حراسة

(١) روح البيان.
(٢) المراح.


الصفحة التالية
Icon