وغيرها، ولا يعود بصيرًا، أما الأعرج، فإنه يمكن الانتفاع به في الحراسة ونحوها، وقد يقدر على القتال بالرمي وغيره، وقدم الأعرج على المريض؛ لأنّ عذره أشدّ من عذر المريض؛ لإمكان زوال المرض عن قرب، فالعذر في محل الآلة أتم من الآفة في القوّة.
ومجمل المعنى (١): أي لا إثم على ذوي الأعذار إذا تخلفوا عن الجهاد، وشهود الحرب مع المؤمنين إذا هم لاقوا عدوَّهم للعلل التي بهم، والأسباب التي تمنعهم من شهودها، كالعمى والعرج والمرض، قال مقاتل: عذر الله أهل الزمانة الذين تخلفوا عن المسير إلى الحديبية بهذه الآية.
ثم رغب سبحانه في الجهاد، وطاعة الله ورسوله، وأوعد على تركه بقوله: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ في الأوامر والنواهي في السر والعلن من المعذورين وغيرهم، فيجب الداعي إلى حرب أعدائه أهل الشرك، دفاعًا عن دينه، وإعلاءً لكلمته ﴿يُدْخِلْهُ﴾ يوم القيامة ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ خالدين فيها ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ﴾ ويعرض عن طاعتهما، ويعص الله ورسوله، فيتخلّف عن الجهاد إذا دعي إليه.. ﴿يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا﴾؛ أي: يدخله عذابًا موجعا في نار جهنم لا يقادر قدره.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿يُدْخِلْهُ﴾ و ﴿يُعَذِّبْهُ﴾ بالياء، واختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد، وقرأ نافع وابن عامر والحسن وقتادة وأبو جعفر والأعرج وشيبة: بالنون فيهما.
تتمة: وهذه الأعذار (٣) المذكورة هنا أعذار ظاهرة في ترك الجهاد؛ لأنَّ أصحابها لا يقدرون على الكر والفرّ؛ لأنّ الأعمى لا يمكنه الإقدام على العدو والطلب، ولا يمكنه الهرب، وكذلك الأعرج والمريض، وفي معنى المريض: صاحب السعال الشديد، والطحال الكبير، والذين لا يقدرون على الكرّ والفرّ: كأصحاب السمن المفرط، فهذه أعذار، وهناك أعذار أخر دون ما ذكر، كالفقر
(٢) البحر المحيط.
(٣) الفتوحات.