أَنْ أَسْلَمُوا...} الآية، وأخرج سعيد بن منصور في "سننه" عن سعيد بن جبير قال: أتى قوم من الأعراب من بني أسد النبيّ - ﷺ -، فقالوا: جئناك ولم نقاتلك، فأنزل الله: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا...﴾ الآية، وقال مجاهد: نزلت في أعراب من بني أسد بن خزيمة، وكانوا يجاورون المدينة، قدموا على رسول الله - ﷺ -، وأظهروا الشهادتين، ولم يكونوا مؤمنين حقًا، وقال السدّي: نزلت في الأعراب المذكورين في سورة الفتح، أعراب مزينة وجهينة، وأسلم وغفار والديل، وأشجع، قالوا؛ آمنا، ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم، فلما استنفروا إلى المدنية.. تخلّفوا.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾: تصدير (١) الخطاب بالنداء؛ لتنبيه المخاطبين على أنّ ما في حيّزه أمر خطير، يستدعي مزيد اعتنائهم بشأنه، وفرط اهتمامهم بتلقّيه، ومراعاته ووصفهم بالإيمان؛ لتنشطيهم والإيذان بأنّه داع إلى المخاطبة، ورادع عن الإخلال به.
﴿لَا تُقَدِّمُوا﴾ أمرا من الأمور ﴿بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ ولا تقطعوه ولا تقولوه، ولا تعجلوا به، إلا بعد أن يحكما به، ويأذنا فيه، فتكونوا إمّا عاملين بالوحي المنزل، وإما مقتدين بالنبيّ المرسل؛ لأنَّ المعنى: لا تقدموا قبل أمرهما ونهيهما، ولفظ اليدين بمعنى الجهتين الكائنتين في سمت يدي الإنسان اليمين واليسار، وبين اليدين بمعنى: بين الجهتين، والجهة التي بينهما هي جهة الأمام والقدَّام، فقولك: جلست بين يديه، بمعنى: جلست أمامه، وبمكان يحاذي يديه قريبًا منه، وإذا قيل: بين يدي الله.. امتنع أن يراد الجهة والمكان، فيكون استعارة تمثيلية، شبَّه ما وقع من بعض الصحابة من القطع في أمر من الأمور الدينية، قبل أن يحكم الله به ورسوله، بحال من يتقدم في المشي في الطريق مثلًا لوقاحته، على من يجب أن يتأخر عنه، ويقفو أثره تعظيمًا له، فعبَّر عن الحالة