كانت للمؤمن الذي فعل ذلك غفلةً، وجريًا على عادته.. فإنّما يحبط عمله البرّ في توقير النبيّ - ﷺ -، وغضّ الصوت عنه أن لو فعل ذلك كأنه قال: مخافة أن تحبط الأعمال التي هي معدة أن تعملوها فتؤجروا عليها.
وقرأ عبد الله وزيد بن على: ﴿فتحبط﴾ بالفاء، وهو مسبب عما قبله.
وفي "فتح الرحمن": فإن قلت: (١) كيف قال ذلك مع أنّ الأعمال إنّما تحبط بالكفر، ورفع الصوت على صوت النبيّ ليس بكفر؟.
قلت: المراد به: الاستخفاف بالنبيّ - ﷺ -؛ لأنّه ربّما يؤدّي إلى الكفر، وقيل: حبوط العمل هنا مجاز عن نقصان المنزلة، وانحطاط الرتبة. اهـ.
ومعنى الآية (٢): إذا نطق ونطقتم.. فلا ترفعوا أصواتكبم فوق صوته، ولا تبلغوا به وراء الحدّ الذي يبلغه؛ لأنّ ذلك يدل على قلة الاحتشام، وترك الاحترام، وإذا كلّمتوه وهو صامت.. فإيّاكم أن تبلغوا به الجهر الذي يدور بينكم، أو أن تقولوا: يا محمد، يا أحمد، بل خاطبوه بالنبوّة مع الإجلال والتعظيم، خشية أن يؤدّي ذلك إلى الاستخفاف بالمخاطب، فتكفروا من حيث لا تشعرون.
قال البقلي في "العرائس": أعلمنا الله سبحانه بهذا التأديب، أنّ خاطر حبيبه من كمال لطافته، ومراقبة جمال ملكوته، كان يتغير من الأصوات الجهرية، وذلك من غاية شغله بالله، وجمع همومه بين يدي الله، فكان إذا جهر أحد عنده.. يتأذى قلبه، ويضيق صدره من ذلك، كأنه يتقاعد سرّه لحظةً عن السير في ميادين الأزل، فخوَّفهم الله من ذلك، فإن تشويش خاطره - ﷺ - سبب بطلان الأعمال.
يقول الفقير: ولكمال لطافته - ﷺ -، كان الموت عليه أشدَّ، إذ اللطيف يتأثر مما لا يتأثر به الكثيف، كما قال بعضهم: قد شاهدنا أقوامًا من عرب البوادي، يسلخ الحكام جميع جلد أحدهم ولا يظهر ضجرًا، ولو سلخ أكبر الأولياء...
(٢) المراغي.