فناداه بعض من وراء هذه، وبعض من وراء تلك، فأسند فعل الأبعاض إلى الكل مجازًا.
﴿أَكْثَرُهُمْ﴾ أي: كلهم ﴿لَا يَعْقِلُونَ﴾؛ أي: لا يفقهون أمر الله وتوحيده، ولا حرمة رسوله - ﷺ -؛ لغلبة الجهل عليهم، وكثرة الجفاء في طباعهم، قال في "بحر العلوم": في قوله: ﴿أكثر﴾ دلالة على أنّه كان فيهم من قصد بالمحاشاة، وعلى قلة العقلاء فيهم قصدًا إلى نفي أن يكون فيهم من يعقل، إذ القلة تجري مجرى النفي في كلامهم، فيكون المعنى: كلهم لا يعقلون، إذ لو كان لهم عقل لما تجاسروا على هذه المرتبة من سوء الأدب، بل تأدَّبوا معه بأن يجلسوا على بابه، حتى يخرج إليهم،
٥ - كما قال تعالى آنفًا: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا﴾، الصبر: حبس النفس عن شهواتها. و ﴿لو﴾ (١) مختص بالفعل على ما ذهب إليه المبرّد والزجاج والكوفيون، فما بعد ﴿لو﴾ مرفوع على الفاعلية، لا على الابتداء على ما قاله سيبويه.
والمعنى: ولو تحقق صبرهم وانتظارهم ﴿حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ﴾ و ﴿حَتَّى﴾ تفيد أنّ الصبر ينبغي أن يكون مغيًا بخروجه - ﷺ -، فإنها مختصّة بما هو غاية للشيء في نفسه، ولذلك تقول: أكلت السمكة حتى رأسها، ولا تقول: حتى نصفها وثلثها، بخلاف إلى فإنها عامّة، وفي قوله: ﴿إِلَيْهِمْ﴾ إشعار بأنّه لو خرج لا لأجلهم ينبغي أن يصبروا حتى يفاتحهم بالكلام أو يتوجه إليهم. ﴿لَكَانَ﴾؛ أي: الصبر المذكور ﴿خَيْرًا لَهُمْ﴾ من الاستعجال لما فيه من رعاية حسن الأدب مع الرسول - ﷺ -.
والمعنى: أنهم لو انتظروا خروجك، ولم يعجلوا بالمناداة.. لكان أصلح لهم في دينهم ودنياهم، لما في ذلك من رعاية حسن الأدب مع رسول الله - ﷺ -، ورعاية جنابه الشريف، والعمل بما يستحقه من التعظيم والتبجيل، الموجبين للثواب والثناء، والإسعاف بالمسؤول، وقيل: إنّهم جاؤوا شفعاء في أسارى، فأعتق رسول الله - ﷺ - نصفهم، وفادى نصفهم، ولو صبروا.. لأعتق الجميع.

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon