العاقل كلامه وراء قلبه، فإذا أراد أن يتكلم به.. أمَّره على قلبه، فينظر فيه، فإن كان له؛ أي: لنفعه.. أمضاه، وإن كان عليه؛ أي: لضرّه.. أمسكه، والأحمق كلامه على طرف لسانه، وعقله في حجره إذا قام سقط، قال عليّ كرم الله وجهه: لسان العاقل في قلبه، وقلب الأحمق في فمه، والأدب صورة العقل، ولا شرف مع سوء الأدب، ولا داء أعيا من الجهل، وإذا تم العقل.. نقص الكلام.
والثالث: ما قاله بعضهم: تدبر سر قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى﴾ ولا تنظر إلى سبب النزول، وانتظر خروجه مرةً ثانية لقيام الساعة لفتح باب الشفاعة، وقد ثبت أنّ الناس يلتجئون يوم القيامة إلى الأنبياء، ثمَّ، وثمَّ إلى أن يصلوا إليه - ﷺ -، فلا يصلون إلى المراد إلا عنده.
٦ - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿إِنْ جَاءَكُمْ﴾ وأتاكم ﴿فَاسِقٌ﴾ أيَّ فاسقٍ كان ﴿بِنَبَإٍ﴾ وخبر أيَّ نبأ كان، والنبأ: الخبر الخطير، والتنكير (١) في الموضعين للتعميم، وفيه إيذان بالاحتراز عن كل فاسق، وإنما قال: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ﴾ بحرف الشك دون إذا؛ ليدل على أن المؤمنين ينبغي أن يكونوا على هذه الصفة، لئلا يطمع فاسق في مكالمتهم بكذب، وقال ابن الشيخ: إخراج الكلام بلفظ الشرط المحتمل الوقوع؛ لندرة مثله فيما بين أصحابه - ﷺ -؛ أي: إن جاءكم فاسق بخبر يعظم وقعه في القلوب.. ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾؛ أي: فتعرّفوا وتفّحصوا، حتى يتبين لكم ما جاء به، أصدق هو أم كذب، ولا تعتمدوا على قوله المجرد؛ لأنّ من لا يتحامى جنس الفسوق.. لا يتحامى الكذب الذي هو نوع منه.
قرأ الجمهور (٢): ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ من التبين، وقرأ حمزة والكسائيّ: ﴿فتثبتوا﴾ من التثبت، والمراد من التبيّن: التعرف والتفحص، ومن التثبت: الأناة وعدم العجلة، والتبصر في الأمر الواقع، والخبر الوارد، حتى يتّضح ويظهر.
قال المفسرون: كما مر إنّ هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، أخي عثمان رضي الله عنه لأمه، وهو الذي ولّاه عثمان الكوفة بعد سعد بن
(٢) الشوكاني.