تَبْغِي}؛ أي: قاتلوا الطائفة الباغية ﴿حَتَّى تَفِيءَ﴾؛ أي: حتى ترجع عن بغيها، فإنّ الفيء: الرجوع إلى حالة محمودة. ﴿إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾؛ أي: إلى حكمه الذي حكم به في كتابه العزيز، وهو المصالحة، ورفع العداوة، أو إلى ما أمر به، وهو الإطاعة المدلول عليها بقوله: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾. فأمر الله على الأول واحد الأمور، وعلى الثاني واحد الأوامر.
وإنّما أطلق (١) الفيء على الظل؛ لرجوعه بعد نسخ الشمس؛ أي: إزالتها إيّاه، فإنّ الشمس كلما ازدادات ارتفاعًا.. ازداد الظل انسلاخًا وزوالًا، وذلك إلى أن توازي الشمس خطّ نصف النهار، فإذا زالت عنه، وأخذت في الانحطاط.. أخذ الظل في الرجوع والظهور، فلمّا كان الزوال سببًا لرجوع ما انتسخ من الظل.. أضيف الظل إلى الزوال، فقيل: فيء الزوال.
ومرَّ الأصمعي بحيّ من أحياء العرب، فوجد صبيًا يلعب مع الصبيان في صحراء، وبتكلّم بالفصاحة، فقال الأصمعي: أين أباك يا صبيّ؟ فنظر إليه الصبي ولم يجب، ثم قال: أين أبيك؟ فنظر إليه ولم يجب كالأول، ثمّ قال: أين أبوك؟ فقال: فاء إلى الفيفاء لطلب الفيء، فإذا فاء الفيء.. فاء؛ أي: رجع.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿حَتَّى تَفِيءَ﴾ مضارع فاء بفتح الهمزة، وقرأ الزهريّ ﴿حتى تفى﴾ بغير همزة وفتح الياء، وهذا شاذ، كما قالوا في مضارع جاء: ينبغي بغير همز، فإذا أدخلوا عليه الناصب.. فتحوا الياء، وأجروه مجرى يفي مضارع وفى شذوذًا.
﴿فَإِنْ فَاءَتْ﴾ الباغية، ورجعت إليه، وأقلعت عن القتال حذارًا من قتالكم ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ أي: بين الطائفتين: الباغية والمحقّة ﴿بِالْعَدْلِ﴾ والإنصاف بفصل ما بينهما على حكم الله، ولا تكتفوا بمجرد متاركتهما، عسى أن يكون بينهما قتال في وقت آخر.
(٢) البحر المحيط.