والمعنى (١): أنه إذا تقاتل فريقان من المسلمين.. فعلى المسلمين أن يسعوا بالصلح بينهم، ويدعوهم إلى حكم الله، فإن حصل بعد ذلك التعدّي من إحدى الطائفتين على الأخرى، ولم تقبل الصلح، ولا دخلت فيه.. كان على المسلمين أن يقاتلوا هذه الطائفة الباغية، حتى ترجع إلى أمر الله، وحكمه، فإن رجعت تلك الطائفة الباغية عن بغيها، وأجابت الدعوة إلى كتاب الله وحكمه.. فعلى المسلمين أن يعدلوا بين الطائفتين في الحكم، ويتحروا الصواب المطابق لحكم الله، ويأخذوا على يد الطائفة الظالمة، حتى تخرج من الظلم، وتؤدي ما يجب عليها للأخرى.
ثمّ أمر الله سبحانه المسلمين أن يعدلوا في كل أمورهم، بعد أمرهم بهذا العدل الخاصّ بالطائفتين المقتتلتين، فقال: ﴿وَأَقْسِطُوا﴾؛ أي: واعدلوا في كلّ ما تأتون وما تذرون، من أقسط، وهمزته للسلب إذا أزال القسط بالفتح؛ أي: الجور، يقال: إذا جاء القسط بالكسر؛ أي: العدل.. زال القسط بالفتح؛ أي: الجور ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾؛ أي: العادلين الذين يؤدُّون لكل ذي حق حقه، فيجازيهم بأحسن الجزاء؛ لأنّ محبته تعالى لهم تستلزم مجازاتهم بأحسن الجزاء، وفي "الصحيح": عن أنس رضي الله عنه: أنّ النبيَّ - ﷺ - قال: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا". قلت: يا رسول الله هذا نصرته مظلومًا، فكيف أنصره ظالمًا؟ قال: "تمنعه من الظلم، فذلك نصرك إيّاه".
١٠ - وجملة قوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾: مستأنفة مقرّرة لما قبلها من الأمر بالإصلاح، جمع الأخ (٢)، وأصله: المشارك لأخر في الولادة من الطرفين، أو من أحدهما، أو من الرضاع، ويستعار في كل مشارك لغيره في القبيلة، أو في الدين، أو في صنعة، أو في معاملة، أو في مودّة، أو في غير ذلك من المناسبات، والفرق بين الخلة والأخوة: أنّ الصداقة إذا قويت.. صارت أخوة، فإن ازدادات.. صارت خلّة، كما في "إحياء العلوم". قال بعض أهل اللغة:
(٢) روح البيان.