الإخوة جمع الأخ من النسب، والإخوان جمع الأخ من الصداقة، ويقع أحدهما موقع الآخر، وفي الحديث: "وكونوا عباد الله إخوانًا".
والمعنى: إنّما المؤمنون منتسبون إلى أصل واحد هو الإيمان الموجب للحياة الأبدية، كما أنّ الإخوة من النسب منتسبون إلى أصل واحد هو الأب الموجب للحياة الفانية، فالآية من قبيل التشبيه البليغ المبني على تشبيه الإيمان بالأب في كونه سبب الحياة كالأب.
وفي الحديث: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يعيّبه، ولا يخذله، ولا يتطاول عليه في البنيان، فيستر عليه الريح إلا بإذنه، ولا يؤذيه بقتار قدره، إلا أن يغرف له غرفة، ولا يشتري لبنيه الفاكهة فيخرجون بها إلى صبيان جاره ولا يطعمونهم منها". ثم قال: "احفظوا، ولا يحفظ منكم إلا قليل". وفي "الصحيح" أيضًا: "إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب.. قال الملك: آمين، ولك مثله".
ولما كانت الأخوة داعية إلى الإصلاح ولابد.. تسبب عن ذلك قوله: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ في الدين، كما تصلحون بين أخويكم في النسب، و ﴿الفاء﴾ فيه: للإيذان بأنّ الأخوّة الدينية موجبة للإصلاح، ووضع (١) المظهر موضح المضمر مضافًا إلى المأمورين للمبالغة في تأكيد وجوب الإصلاح، والتحضيض عليه، وتخصيص الأثنين بالذكر لإثبات وجوب الإصلاح فيما فوق ذلك بطريق الأولوية لتضاعف الفتنة والفساد فيه. ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى في كل ما تأتون، وما تذرون من الأمور التي من جملتها ما أمرتم به من إصلاح ذات البين، وفي "التأويلات النجمية": واتقوا الله في إخوتكم في الدين بحفظ عهودهم، ورعاية حقوقهم، في المشهد والمغيب، والحياة والممات.
﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾؛ أي: راجين أن ترحموا على تقواكم كما ترحمون، أو رجاء أن يرحمكم ربّكم، ويصفح عن سالف إجرامكم إذا أنتم أطعتموه، واتبعتم أمره ونهيه، والترجّي باعتبار المخاطبين.

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon