واعلم: أنّ أخوّة الإِسلام أقوى من أخوّة النسب، بحيث لا تعتبر أخوّة النسب إذا خلت عن أخوّة الإِسلام، ألا ترى أنه إذا مات المسلم، وله أخ كافر.. يكون ماله للمسلمين، لا لأخيه الكافر، وكذا إذا مات أخ الكافر، وذلك لأنّ الجامع الفاسد لا يفيد الأخوّة، وأنّ المعتبر الأصليّ الشرعيّ، ألا ترى أنّ ولدي الزنا من رجل واحد لا يتوارثان، وهذا المعنى يستفاد من الآية أيضًا؛ لأنّ ﴿إِنَّمَا﴾ للحصر، فكأنه قيل: لا أخوة إلا بين المؤمنين، فلا أخوّة بين المؤمن والكافر.
وفي هذه الآية (١): دليل على قتال الفئة الباغية إذا تقرر بغيها على الإِمام أو على أحد من المسلمين، وعلى فساد قول من قال بعدم الجواز، مستدلًا بقوله - ﷺ -: "قتال المسلم كفر". فإنّ المراد بهذا الحديث، وما ورد في معناه: قتال المسلم الذي لم يبغ، قال ابن جرير: لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين فريقين من المسلمين الهرب منه، ولزوم المنازل.. لما أقيم حق ولا أبطل باطل، ولوجد أهل النفاق والفجور سببًا إلى استحلال كل ما حرّم الله عليهم من أموال المسلمين، وسبي نسائهم، وسفك دمائهم، بأن يتحزبوا عليهم، ولكفِّ المسلمين أيديهم عنهم، وذلك مخالف لقوله - ﷺ -: "خُذوا على أيدي سفهائكم".
قال ابن العربي: هذه الآية أصل في قتال المسلمين، وعمدة في حرب المتأولين، وعليها عوّل الصحابة، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملّة، وإياها عني النبيّ - ﷺ - بقوله: "تقتل عمارا الفئة الباغية". وقوله في شأن الخوارج: "يخرجون على حين فرقة من الناس، تقتلهم أولى الطائفتين بالحق".
وقرأ الجمهور (٢): ﴿بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ بالتثنية؛ لأنّ أقلّ من يقع بينهما الشقاق اثنان، فإذا كان الإصلاح لازمًا بين اثنين.. فهو ألزم بين أكثر من اثنين، وقيل: المراد بالأخرين: الأوس والخزرج، وقرأ زيد بن ثابت وابن مسعود والحسن: بخلاف عنه، والجحدري وثابت البنانيّ وحماد بن سلمة، وابن سيرين: {بين
(٢) البحر المحيط.