إخوانكم} جمعًا بالألف والنون، وقرأ الحسن أيضًا وابن عامر في روايةٍ، وزيد بن عليّ ويعقوب: ﴿بين إخوتكم﴾ جمعًا على وزن غلمة، وروى عبد الوهاب عن أبي عمرو القراءات الثلاث، قال أبو علي الفارسي في توجيه قراءة الجمهور: أراد بالأخوين: الطائفتين؛ لأنّ لفظ التثنية قد يرد ويراد به الكثرة، وقال أبو عبيدة: أي: أصلحوا بين كل أخوين.
١١ - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿لَا يَسْخَرْ﴾ والسخرية: أن يحقر الإنسان أخاه، ويستخفه، ويسقطه عن درجته، وبعده ممن لا يلتفت إليه؛ أي: لا يهستزىء ﴿قَوْمٌ﴾؛ أي: منكم. وهو اسم جمع لرجل، وهو مختص بالرجال؛ لأنهم قوامون على النساء، ولهذا عبّر عن الإناث بما هو مشتق من النسوة بفتح النون، وهو ترك العمل، حيث قال: ﴿وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ﴾. ويؤيده قول زهير:

وَمَا أدْرِيْ وَسوْفَ إِخَالُ أَدْرِيْ أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ
وقال الزمخشري: وهو في الأصل: جمع قائم، كصوم جمع صائم، وزور جمع زائر انتهى. وليس فعل من أبنية الجموع إلا على مذهب أبي الحسن في قوله: إنّ ركبا جمع راكب. ﴿مِنْ قَوْمٍ﴾ آخرين أيضًا منكم، والتنكير إما للتعميم أو للتبعيض. والقصد إلى نهي بعضهم عن سخرية بعض؛ لما أنّها مما يجري بين بعض وبعض.
فإن قلت (١): المنهيّ عنه هو أن يسخر جماعة من جماعة، فيلزم أن لا يحرم سخرية واحد من واحد.
قلت: اختيار الجمع ليس للاحتراز عن سخرية الواحد من الواحد، بل هو لبيان الواقع؛ لأنّ السخرية وإن كانت بين اثنين؛ إلا أنَّ الغالب أن تقع بمحضر جماعة يرضون بها، ويضحكون بسببها، بدل ما وجب عليهم من النهي والإنكار، ويكونون شركاء الساخر في تحمّل الوزر، ويكونون بمنزلة الساخرين حكمًا، فنهوا
(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon