عن ذلك؛ يعني: أنه من نسبة فعل البعض إلى الجمع لرضاهم به في الأغلب، أو لوجوده فيما بينهم.
﴿عَسَى أَنْ يَكُونُوا﴾ تعليل للنهي؛ أي: عسى أن يكون المسخور منهم ﴿خَيْرًا﴾ عند الله تعالى ﴿مِنْهُمْ﴾؛ أي: من الساخرين، ولا خبر لـ ﴿عَسَى﴾ لإغناء الاسم عنه، ولمّا كان لفظ ﴿قَوْمٌ﴾ مختصًّا بالرجال؛ لأنهم القُوَّمُ على النساء.. أفرد النساء بالذكر، فقال: ﴿وَلَا نِسَاءٌ﴾؛ أي: ولا تسخر نساء من المؤمنات، وهم اسم جمع لامرأة. ﴿مِنْ نِسَاءٍ﴾ منهنّ، وإنما لم يقل: امرأة من رجل، ولا بالعكس للإشعار بأنّ مجالسة الرجل المرأة مستقبح شرعًا، حتى منعوها عن حضور الجماعة، ومجلس الذكر؛ لأنّ الإنسان إنما يسخر ممن يلابسه غالبًا، وقيل: أفرد النساء بالذكر؛ لأنّ السخرية منهن أكثر. ﴿عَسَى أَنْ يَكُنَّ﴾؛ أي: المسخور منهن ﴿خَيْرًا﴾ عند الله تعالى ﴿مِنْهُنَّ﴾؛ أي: من الساخرات، فإنَّ مناط الخيرية في الفريقين ليس ما يظهر للناس من الصور والأشكال، ولا الأوضاع والأطوار التي عليها يدور أمر السخرية غالبًا، بل إنما هو الأمور الكامنة في القلوب، فلا يجترىء أحد على استحقار أحد، فلعله أجمع منه لما نيط به من الخيرية عند الله تعالى، فيظلم نفسه بتحقير من وقّره الله، واستهانة من عظمه الله تعالى. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: البلاء موكل بالقول، لو سخرت من كلب.. لخشيت أن أحول كلبًا، وفي "التأويلات النجمية": يشير إلى أنّه لا عبرة بظاهر الخلق، فلا تنظر إلى أحد بنظر الإزدراء، والاستهانة والاستخفاف والاستحقار؛ لأنّ في استحقار أخيك عجب نفسك مودع، كما نظر إبليس بنظر الحقارة إلى آدم عليه السلام، فأعجبته نفسه، فقال: أنا خير منه، خلقتني من نار، وخلقته من طين، فلعن إلى الأبد لهذا المعنى، فمن حقر أخاه المسلم، وظنَّ أنه خير منه.. يكون إبليسَ وقته، وأخوه آدمَ وقته.
وقرأ عبد الله وأبيٌّ (١): ﴿عسوا أَنْ يَكُونُوا﴾ و ﴿عَسِيْنَ أن يكن﴾، فـ ﴿عَسَى﴾

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon