على هذه القراءة ناقصة، لها خبر، و ﴿عَسَى﴾ في الموضعين على قراءة الجمهور: تامّة لا خبر لها، وفيها لغتان: الإضمار لغة تميم، وتركه لغة الحجاز.
﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾؛ أي: ولا يعب (١) بعضكم بعضًا بقول أو إشارة على وجه الخفية، فإن المؤمنين كنفس واحدة، والأفراد المنتشرة بمنزلة أعضاء تلك النفس، فيكون ما يصيب واحدًا منهم كأنه يصيب الجميع، إذا اشتكى عضو واحد من شخص.. تداعى سائر الأعضاء إلى الحمى والسهر، فمتى عاب مؤمنًا.. فكأنما عاب نفسه، كقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾، وفي قوله: ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾: تنبيه إلى أنَّ العاقل لا يعيب نفسه، فلا ينبغي أن يعيب غيره؛ لأنّه كنفسه.
وفي "التأويلات النجمية": إنما قال: ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾ لأنّ المؤمنين كنفس واحدة، إن عملوا شرًّا إلى أحد، فقد عملوا إلى أنفسهم، وإن عملوا خيرًا إلى أحد.. فقد عملوا إلى أنفسهم، كما قال تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾، انتهى.
ويجوز أن يكون معنى الآية: ولا تفعلوا ما تلمزون به، فإن من فعل ما يستحق به اللمز.. فقد لمز نفسه؛ أي: تسبب للمز نفسه، وإلا فلا طعن باللسان لنفسه منه، فهو من إطلاق المسبب وإرادة السبب، وقال سعدي المفتي: ولا يبعد أن يكون (٢) المعنى لا تلمزوا غيركم، فإنَّ ذلك يكون سببًا لأن يبحث الملموز عن عيوبكم فيلمزكم، فتكونوا لامزين أنفسكم، فالنظم حينئذٍ نظير ما ثبت في "الصحيحين" من قوله - ﷺ -: "من الكبائر شتم الرجل والديه" قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: "نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه".
يقول الفقير: هو مسبوق في هذا المعنى، فإنَّ الإِمام الراغب قال في
(٢) روح البيان.