هذا كله.
والخلاصة: بئس الاسم الفسوق مع الإيمان، وفي هذا إيماء إلى استقباح الجمع بين الأمرين، كما تقول: بئس الصبوة بعد الشيخوخة؛ أي: معها.
﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ﴾ عمّا نهى الله عنه ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ لأنفسهم بوضع العصيان موضع الطاعة، وتعريض النفس للعذاب، والظالم أعم من الفاسق، والفاسق أعم من الكافر. أو المعنى (١): ومن لم يتب من نبزه أخاه بما نهى الله عن نبزه من الألقاب، أو لمزه إياه، أو سخريته منه، فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم، فأكسبوها عقاب الله بعصيانهم إياه.
وفيه (٢) دلالة بينة على أنَّ الرجل بترك التوبة يدخل مدخل الظلمة، فلا بدّ من توبة نصوح من جميع القبائح والمعاصي، لا سيما ما ذكر في هذا المقام، ومن أصرّ.. أخذ سريعًا؛ لأنّ أقرب الأشياء سرعة الظلوم، وأنفذ السهام دعوة المظلوم.
١٢ - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾؛ أي: كونوا على جانب منه، وابعدوا عنه ولا تقربوه، والظنّ هنا هو مجرد التهمة التي لا سبب لها، كمن يتهم غيره بشيء من الفواحش ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك، فالمراد به: ظن السوء بأهل الخير والصلاح، وأمر سبحانه باجتناب الكثير ليفحص المؤمن عن كل ظنّ يظنّه، حتى يعلم أنه من أيّ القبيل، فإنّ من الظنّ ما يجب اتباعه، كالظنّ حيث لا قاطع فيه من العمليات، فإنّ أكثر الأحكام الشرعية مبنيّة على الظنّ، كالقياس وخبر الواحد ودلالة العموم، ولكن هذا الظنّ الذي يجب العمل به قد قوي بوجه من الوجوه الموجبة للعمل به، فارتفع عن الشك والتهمة وكحسن الظنّ بالله تعالى، وفي الحديث: "إنّ حسن الظنّ من الإيمان". ومن الظنّ ما يحرم: كالظنّ في الإلهيات؛ أي: بوجود الإله وذاته وصفاته، وما
(٢) روح البيان.