يليق به من الكمال، وفي النبوات، فمن قال: آمنت بجميع الأنبياء، ولا أعلم آدم نبي أم لا.. يكفر، وكذا من آمن بأنَّ نبينا محمدًا - ﷺ - رسول، ولم يؤمن بأنه خاتم الرسل لا نسخ لدينه إلى يوم القيامة.. لا يكون مؤمنًا، وكالظن حيث يخالفه قاطع: كالظن بنبوة علي كرم الله وجهه أو بنبوة واحد من خلفاء هذه الأمة مع وجود قوله تعالى: ﴿وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ وقوله - ﷺ -: "لا نبيّ بعدي". فإنَّ مثل هذا الظنّ حرام، ولو قطع كان كفرًا، وكظنّ السوء بالمؤمنين، خصوصًا بالرسول - ﷺ -، وبورثته الكمَّل: كالعلماء بالله تعالى، قال تعالى: ﴿وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾، وقال - ﷺ -: "إنّ الله حرّم من المسلم: عرضه، ودمه، وأن يظنَّ به ظن السوء". ومن الظنّ ما يباح: كالظنّ في الأمور المعاشية، وفي "كشف الأسرار": ومن المباح: الظن في الصلاة، والصوم، والقبلة، أمر صاحبه بالتحريّ فيها، والبناء على غلبة الظن، فلا يدخل (١) في الظن المأمور باجتنابه شيء من الظنّ المأمور باتباعه في مسائل الدين، فإنَّ الله قد تعبَّد عباده باتباعه، وأوجب العمل به جمهور أهل العلم، ولم ينكر ذلك إلا بعض طوائف المبتدعة كيادًا للدين، وشذوذًا عن جمهور المسلمين، وقد جاء التعبد بالظن في كثير من الشريعة المطهرة، بل في أكثرها.
والمعنى (٢): أي يا أيّها الذين آمنوا ابتعدوا عن كثير من الظن بالمؤمنين، بأن تظنوا بهم السوء ما وجدتم إلى ذلك سبيلًا، ولا يحرم سوء الظن إلا ممن شوهد منه الستر والصلاح، وأونست منه الأمانة، أما من يجاهر بالفجور: كمن يدخل أو يصاحب الغواني الفواجر.. فلا يحرم سوء الظنّ به، وحكى القرطبي عن أكثر العلماء: أنَّ الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز، وأنه لا حرج في الظنّ القبيح بمن ظاهره القبيح.
وجملة قوله (٣): ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾؛ أي: ذنب فيه عقوبة، تعليل لما
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.