بالأنساب، فإنّ ذلك لا يوجب كرمًا، ولا يثبت شرفًا، ولا يقتضي فضلًا.
وقرأ الجمهور (١): ﴿إنَّ﴾ بكسر الهمزة، وقرأ ابن عباس: بفتحها، وكان قرأ: ﴿لتعرفوا﴾ مضارع عرف، فاحتمل أن تكون ﴿أنَّ﴾: معمولة لـ ﴿تَعَارَفُوا﴾ وتكون ﴿اللام﴾ في ﴿لتعرفوا﴾: لام الأمر، وهو أجود من حيث المعنى، وأمَّا إن كانت لام كي.. فلا يظهر المعنى أن جعلهم شعوبا وقبائل؛ لأن تعرفوا أن الأكرم هو الأتقى، فإن جعلت مفعول ﴿لتعرفوا﴾ محذوفًا؛ أي: لتعرفوا الحق؛ لأنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم، ساغ في لام ﴿لِتَعَارَفُوا﴾ أن تكون لام كي.
قيل: أكرم الكرم التقوى، وألأم اللؤم الفجور، وقال ابن عباس: كرم الدنيا الغنى، وكرم الآخرة التقوى. أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، وروى ابن عمر رضي الله عنهما: أنّ النبي - ﷺ - خطب الناس يوم فتح مكة، وهو على راحتله، فحمد الله، وأثنى عليه بما هو له أهل، ثم قال: "أيها الناس، إنّ الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية، وتكبرها بآبائها، فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله، ورجل فاجر شقي هين على الله تعالى، إن الله عَزَّ وَجَلَّ يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ ثم قال: "أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم". قوله: "عيبة الجاهلية"، يعني: كبرها وفخرها.
﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلِيمٌ﴾ بكم وبأعمالكم ﴿خَبِيرٌ﴾ ببواطن أحوالكم، فاجعلوا التقوى زادكم لدى معادكم، وقال (٢) ابن الشيخ في "حواشيه": والنسب وإن كان معتبرًا عرفًا وشرعًا، حتى لا تتزوج الشريفة بالنبطي - نسبة إلى نبط محركًا، جيل ينزلن بالبطائح بين العراقين - إلا أنه لا عبرة به عند ظهور ما هو أعظم منه قدرًا وأعز، وهو الإيمان والتقوى، كما لا يظهر الكواكب عند طلوع الشمس فالفاسق وإن كان قرشي النسب، وقارون النشب (٣).. لا قدر له عند المؤمن المتقي، وإن كان عبدًا حبشيًا، والأمور التي يفتخر بها في الدنيا،
(٢) روح البيان.
(٣) قارون النشب: مثل قارون في الغِنى.