وإن كانت كثيرةً، لكن النسب أعلاها، من حيث إنه ثابت مستمر غير مقدور التحصيل لمن ليس له ذلك، بخلاف غيره، كالمال مثلًا، فإنه قد يحصل للفقير مال، فيبطل افتخار المفتخر به عليه، وكذا، الأولاد والبساتين ونحوها؛ فلذلك خصَّ الله النسب بالذكر، وأبطل اعتباره بالنسبة إلى التقوى؛ ليعلم منه بطلان اعتبار غيره بطريق الأولى. انتهى.
وسئل عيسى عليه السلام: أي الناس أشرف؟ فقبض قبضتين من تراب، ثم قال: أي هذين أشرف؟ ثم جمعهما وطرحهما، وقال: الناس كلهم من تراب، وأكرمهم عند الله أتقاهم، وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه:
أَبِيْ الإِسْلَامُ لَا أَبَ لِيْ سِوَاهُ | إِذَا افْتَخَرُوْا بِقَيْسٍ أَوْ تَمِيْمِ |
١٤ - ولما ذكر الله سبحانه أنَّ أكرم الناس عند الله أتقاهم له، وكان أصل التقوى الإيمان.. ذكر ما كانت تقوله العرب من دعوى الإيمان؛ ليثبت لهم الشرف والفضل، فقال:
﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ﴾ وهم أهل البادية بنو أسد، أظهروا الإِسلام في سنة مجدبة يريدون الصدقة، وإلحاق التاء بالفعل المسند إليهم مع خلوه عنها في قوله:
﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ﴾ للدلالة على نقصان عقلهم، بخلافهنّ، حيث لُمن إمرأة العزيز في مراودتها فتاها، وذلك يليق بالعقلاء.
﴿آمَنَّا﴾؛ أي: صدقنا بالله ورسوله، ونحن له مؤمنون، فرد الله عليهم مكذبًا لهم مع عدم التصريح بذلك، فقال:
﴿قُل﴾ يا محمد ردًّا عليهم:
﴿لَمْ تُؤْمِنُوا﴾ أنتم، إذ الإيمان: هو التصديق بالله وبرسوله، المقارن لثقة بحقيقة المصدق، وطمأنينة القلب، ولم يحصل لكم ذلك، وإلا لما مننتم علي ما ذكرتم من الإِسلام، وترك المقاتلة، كما ينبىء عنه آخر السورة؛ يعني: أن التصديق الموصوف مسبوق بالعلم بقبح الكفر، وشناعة المقاتلة، وذلك يأبى المن وترك المقاتلة، فإنّ العاقل لا يمن بترك ما يعلم قبحه.
﴿وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾؛ أي: دخلنا في السلم والصلح والانقياد، مخافة على أنفسنا من القتل والسبي، أو للطمع في الصدقة، فإنَّ الإِسلام: انقياد، ودخول في السلم، وإظهار الشهادة، وترك المحاربة مشعر به؛ أي: بالانقياد والدخول المذكور، وقوله:
﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ حال من ضمير
﴿قُولُوا﴾؛ أي: