ولكن قولوا: أسلمنا، حال عدم مواطأة قلوبكم لألسنتكم، وما في ﴿وَاْتَّقُواْ﴾ من معنى التوقع، مشعر بأن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد.
فإن قلت (١): مقتضى نظم الكلام أن يقال: قل: لا تقولوا: آمنّا، ولكن قولوا: أسلمنا، أو قل: لم تؤمنوا ولكن أسلمتم.
قلت: أفاد هذا النظم تكذيب دعواهم أوّلًا، فقيل: لم تؤمنوا مع أدب حسن، فلم يقل: كذبتم تصريحًا ووضع ﴿لَمْ تُؤْمِنُوا﴾ الذي هو نفي ما ادعوا إثباته موضعه، واستغنى بقوله: ﴿لَمْ تُؤْمِنُوا﴾ عن أن يقال: لا تقولوا: آمنّا؛ لاستهجان أن يخاطبوا بلفظ مؤادّاه النهي عن القول بالإيمان، ولم يقل: ولكن أسلمتم؛ ليكون خارجًا مخرج الزعم والدعوى، كما كان قولهم: ﴿آمَنَّا﴾، كذلك لو قيل: ولكن أسلمتم.. لكان كالتسليم والاعتداد بقولهم، وهو غير معتدّ به، وليس قوله: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ تكريرًا لمعنى قوله: ﴿لَمْ تُؤْمِنُوا﴾. فإنَّ فائدة قوله: ﴿لَمْ تُؤْمِنُوا﴾ تكذيب لدعواهم، وقوله: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ توقيت لما أمروا به أن يقولوه، فكأنه قيل لهم: ولكن قولوا: أسلمنا، حيث لم يثبت مواطأة قلوبكم لألسنتكم؛ لأنه كلام واقع موقع الحال من الضمير في ﴿قُولُوا﴾ وما في ﴿لمَّا﴾ من معنى التوقع: قال على أنَّ هؤلاء قد آمنوا فيما بعد.
وحاصل الجواب: أنه تكرار، لكنه مستقل بفائدة زائدة؛ لأنّه علم من الأول نفي الإيمان عنهم، ومن الثاني نفيه مع توقع حصوله. اهـ "كرخي".
وقال سعدي المفتي: والظاهر (٢): أنَّ النظم القرآني من الاحتباك حذف من الأول ما يقابل الثاني، ومن الثاني ما يقابل الأول، والأصل: قل: لم تؤمنوا، فلا تقولوا: آمنَّا، ولكن أسلمتم، فقولوا: أسلمنا، وهذا من اختصارات القرآن الكريم.
واعلم (٣): أنّ الإِسلام: هو الدخول في السلم، وهو الانقياد والطاعة، فمن الإِسلام ما هو طاعة على الحقيقة باللسان والأبدان والجنان؛ لقوله

(١) النسفيّ.
(٢) روح البيان.
(٣) الخازن.


الصفحة التالية
Icon