بعيد.. أردف ذلك بالدليل الذي يدحض كلامهم، فإنَّ من خلق السماء، وزينها بالكواكب، وبسط الأرض، وجعل فيها رواسي، وأنبت فيها صنوف النبات، وجعل ذلك تذكرةً وتبصرةً لأولي الألباب، ونزّل من السماء ماءً فأنبت به ناضر الجنان، والزرع المختلف الأصناف والألوان، والنخل الباسق ذا الطلع المتراكم بعضه فوق بعض رزقًا لعباده، وأحيا به الأرض الموات، أفلا يستطيع من هذا شأنه أن يخرج الناس من قبورهم بعد بلاهم، وبعد أن يصيروا عظامًا ورفاتًا، وينشئهم خلقًا آخر في حياة أخرى، وعالم غير هذا العالم؟
قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لمَّا ذكر تكذيب المشركين للرسول - ﷺ -.. أردف ذلك بذكر المكذبين للرسل من قبله، وبيان ما آل إليه أمرهم، تسليةً لرسوله - ﷺ -، وعبرة لهم، وتنبيهًا إلى أنَّ حاله معهم كحال من تقدمه من الرسل، كُذبوا، فصبروا، فأهلك الله مكذبيهم، ونصرهم، وأعلى كلمتهم، كما قال: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾. وقال: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (١٧٣)﴾.
ثم ذكر الدليل على البعث الذي أنكرته الأمم التي كذّبت رسلها، بأنّ من خلق العالم بادىء ذي بدءٍ.. فهو على إعادته أقدر.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه لما استدلَّ على إمكان البعث بقوله: ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ﴾.. أردف ذلك دليلًا آخر على إمكانه، وهو علمه بما في صدورهم، وعدم خفاء شيء من أمرهم عليه، فإنَّ من كان كذلك لا يبعد أن يعيدهم كرةً أخرى.
ثم أخبر بانهم سيعلمون بعد الموت أنّ ما جاء به الدين حقّ لا شكّ فيه، وأنه يوم القيامة تأتي كل نفس ومعها ملكان:
أحدهما: سائق لها إلى المحشر.