مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧)}.
وقوله: ﴿بَلْ عَجِبُوا﴾ إضراب عن الجواب المحذوف على اختلاف الأقوال، وقوله: ﴿أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ﴾ في موضع نصب على تقدير مِن؛ أي: (١) بل عجيب كفّار مكة، ومتعنّتوهم من أن جاءهم رسول منذر من عذاب الله من جنسهم، لا من جنس الملك، وهو محمد - ﷺ -؛ أي: إنهم شكّوا فيه، ولم يكتفوا بالشكّ والتردّد، بل جزموا بالخلاف، حتى جعلوا ذلك من الأمور العجيبة، وقال بعضهم: جواب القسم محذوف، ودليل ذلك قوله: ﴿بَلْ﴾؛ لأنّه لنفي ما قبله، فدلّ على نفي مضمر، تقديره: أقسم بجبل قاف الذي به بقاء دنياكم، وبالقرآن الذي به بقاء دينكم ما كذّبوك ببرهان، ولا بمعرفةٍ بكذبك بل عجبوا، إلخ. والعجب: نظر النفس لأمر خارج عن العادة.
ثمّ فسّر ما حكاه عنهم من كونهم عجبوا بقوله: ﴿فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ فهو تفسير لتعجّبهم، وبيان لكونه مقارنًا لغاية الإنكار، وهذا إشارة إلى كونه - ﷺ - منذرًا بالقرآن.
وحاصله: كون النذير منّا خصص بالرسالة من دوننا، وكون ما أنذر به هو البعث بعد موت كل شيء، بليغ في الخروج عن العادة إشكاله، وهو من فرط جهلهم؛ لأنهم عجبوا أن يكون الرسول بشرًا، وأوجبوا أن يكون الإله حجرًا، وأنكروا البعث مع أنّ أكثر ما في الكون مثل ذلك من إعادة كل من الملوين بعد ذهابه، وإحياء الأرض بعد موتها، وإخراج النبات والأشجار والثمار وغير ذلك.
ثمّ إنّ (٢) إضمار الكافرين أوّلًا في قوله: ﴿بَلْ عَجِبُوا﴾؛ للإشعار بتعينهم بما أسند إليهم من المقال، وأنه إذا ذكر شيء خارج عن سنن الاستقامة.. انصرف إليهم إذ لا يصدر إلا عنهم، فلا حاجة إلى إظهار ذكرهم، وإظهارهم ثانيًا بقوله: ﴿فَقَالَ الْكَافِرُونَ﴾ للتسجيل عليهم بالكفر بموجبه.

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon