والمعنى: يقول الله سبحانه (١): أقسم بكتابي الكثير الخير والبركة، إنّك أيها الرسول جئتهم منذرًا بالبعث فلم يقبلوا، ولم يكتفوا بالشك في أمرك، وردّ رسالتك، بل جزموا بنفيها، وجعلوها من عجائب الأمور التي تستحق الدهشة، وتثير التأمّل والاعتبار، فقال المكذبون بالله ورسوله من قريش إذ جاءهم منذر منهم: هذا شيء عجيب؛ أي: إنّ مجيء رجل منّا برسالة من الله إلينا أمر عجيب، هلا أنزل إلينا ملكًا، فيكون لنا نذيرًا، كما حكى عنهم من قولهم: ﴿أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ﴾ وقوله حكاية عنهم: ﴿قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾.
٣ - وبعد أن أظهروا التعجب من رسالته، أظهروا استبعاد ما جاء به، فقالوا: ﴿وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧)﴾؛ أي: أنرجع ونبعث حين فارقت أَرواحنا أجسامنا، وصرنا ترابًا كما يقول النذير؛ أي: لا نرجع ولا نبعث. ﴿ذَلِكَ﴾ البعث والرجوع بعد الموت لـ ﴿رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾ عن الأوهام، لا يصدّقه العقل، وتحيله العادة.
وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي: بكسر ميم ﴿مِتْنَا﴾، والباقون: ﴿مُتْنَا﴾ بالضم، وقرأ الجمهور (٢): ﴿أَإِذَا﴾ بهمزة الاستفهام الإنكاري، وهو على تفصيلهم في تحقيق الثانية وتسهيلها والفصل بينهما، وقرأ الأعرج وشيبة وأبو جعفر وابن وثّاب والأعمش، وابن عتبة عن ابن عامر: ﴿إِذا﴾ بهمزة واحدة على صورة الخبر، فجاز أن يكون استفهامًا، حذفت منه الهمزة كقراءة الجمهور، وجاز أن يكونوا عدلوا إلى الخبر، وأضمر جواب إذا؛ أي: إذا متنا وكنا ترابًا.. رجعنا، وهمزة الاستفهام على قراءة الجمهور: داخلة على محذوف، دلّ عليه ما بعده، وهو العام في الظرف؛ أي: أنبعث ونرجع إذا متنا، وصرنا ترابًا لا فرق بينتا وبين تراب الأرض، كما يقول النذير، والمنذر به مع كمال التباين بيننا وبين الحياة حينئذٍ؛ أي: لا نرجع ولا نبعث. ﴿ذَلِكَ﴾ المرجع والبعث ﴿رَجْعٌ﴾؛ أي:
(٢) البحر المحيط.