ردّ إلى الحياة، وإلى ما كنّا عليه. ﴿بَعِيدٌ﴾ جدًّا عن الأوهام، أو عن العادة، أو عن الإمكان أو عن الصدق غير كائن؛ لأنه لا يمكن تمييز ترابنا عن بقية التراب.
٤ - ثم ردّ سبحانه ما قالوه، فقال: ﴿قَدْ عَلِمْنَا﴾ نحن ﴿مَا تَنْقُصُ﴾ وتأكل ﴿الْأَرْضُ مِنْهُمْ﴾؛ أي: من أجسادهم، فلا يضلّ عنّا شيء من ذلك، ومن أحاط علمه بكل شيء، حتى انتهى إلى علم ما يذهب من أجساد الموتى في القبور، لا يصعب عليه البعث، ولا يستبعد منه، وهذا (١) رد لاستبعادهم، وإزاحة له؛ أي: نحن على ذلك في غاية القدرة، فإنّ من عمّ علمه ولطفه، حتى انتهى إلى حيث علم ما تنقص الأرض من أجساد الموتى، وتأكل من لحومهم وعظامهم.. كيف يستبعد رجعه إياهم أحياء كما كانوا؟! وعبّر بمن في قوله: ﴿مِنْهُمْ﴾؛ لأنّ الأرض لا تأكل عجيب الذنب، فإنه كالبذر لأجسام بني آدم، وفي الحديث: "كل ابن آدم يبلى إلا عجيب الذنب، فمنه خلق وفيه يركب". والعجب بفتح العين وسكون الجيم: أصل الذنب، ومؤخر كل شيء، وهو هاهنا عظم لا جوف له، قدر ذرة أو خردلة، يبقى من البدن ولا يبلى، فإذا أراد الله سبحانه الإعادة. ركّب على ذلك العظم سائر البدن وأحياه؛ أي: غيْر أبدان الأنبياء والصديقين والشهداء، فإنها لا تبلى، ولا تتفسخ إلى يوم القيامة، على ما نصت به الأخبار الصحيحة.
والأصح في كيفية الإعاة (٢)، كما دلّ عليه الخبر الصحيح: أنّ السماء تمطر مطرًا شبه المنيّ، فينشأ منه النشأة الآخرة، كما أنّ النشأة الدنيا من نقطة تنزل من بحر الحياة إلى أصلاب الآباء، ومنها إلى أرحام الأمّهات، فيتكون من قطر بحر الحياة تلك النقطة جسد في الرحم.
والخلاصة (٣): أي قد علمنا تأكل الأرض من لحوم موتاهم وعظامهم، ولا يخفى علينا أين تفرّقت الأبدان، وأين ذهبت، وإلى أين صارت، فلا يصعب البعث ولا يستبعد.

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon