إياه إلى الشعر ونحوه إنما هي بسببه.
واعلم: أنّ الاضطراب موجب للاختلاف، وذلك أدلّ دليل على البطلان، كما أنّ الثبات والخلوص موجب للاتفاق، وذلك أدل دليل على الحقِّية، قال الحسن: ما ترك قوم الحق إلا مرج أمرهم، وكذا قال قتادة، وزاد: والتبس عليهم دينهم، وعن عليّ رضي الله عنه قال له يهودي: ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم، فقال: إنّما اختلفنا عنه لا فيه، ولكنكم ما جفت أرجلكم من البحر، حتى قلتم لنبيكم: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾
والمعنى: أي بل كذبوا (١) بالنبوّة التي قامت الأدلة على صدقها، وأيدتها المعجزات الباهرة، وهم إذا كذّبوا بها.. فقد كذّبوا بما أنبأ الرسول من البعث وغيره، ولا شك أنّ هذا الإنكار أعظم جرمًا، وأشد بلية من الإنكار بما جاء به الرسول، إذ به أنكروا الصلة الروحية بين الله سبحانه وبين من يصطفيه من خلقه من ذوي النفوس الصافية، وأرباب الأرواح العالية. ﴿فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ أي: فهم في قلقٍ واضطرابٍ، فتارة ينفون الرسالة عن البشر، وأخرى يزعمون أنها لا تليق إلا بأهل الجاه والرياسة، كما ينبىء بهذا قولهم: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾. وثالثة يقولون: إنها سحر أو كهانة، إذ قالوا للنبيّ - ﷺ -: ساحر أو كاهن إلى نحو ذلك من أقاويلهم، التي تدل على اضطراب في الأمر، وقلق في الفكر، فهم لا يدرون ماذا يفعلون حين جاءهم النذير الذي أقضَّ مضاجعهم، وجعلهم حيارى دهشين، إلام هم صائرون، وإلى أي منقلبٍ ينقلبون.
٦ - و ﴿الهمزة﴾ في قوله: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا﴾: للاستفهام (٢) التوبيخيّ: داخلة على محذوف، و ﴿الفاء﴾: عاطفة ذلك المحذوف، والتقدير: أغفلوا فلم ينظروا حين كفروا بالبعث ﴿إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ﴾ بحيث يشاهدونها كل وقت؛ أي: فلم ينظروا إلى آثار قدرة الله في خلق العالم، وإيجاده من العدم إلى الوجود،
(٢) الشوكاني.