والمعنى: أنه كانت تكون لكم طيبات الآخرة لو آمنتم، لكنكم لم تؤمنوا فاستعجلتم طيباتكم في حياتكم الدنيا، فهذه كناية عن عدم الإيمان، ولذلك ترتب عليه: ﴿فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾، ولو أريد الظاهر ولم يكن كنايةً عما ذكر.. لم يترتب عليه الجزاء بالعذاب.
وقرأ الجمهور (١): ﴿أَذْهَبْتُمْ﴾ على الخبر؛ أي: فيقال لهم: ﴿أَذْهَبْتُمْ﴾ ولذلك حسنت ﴿الفاء﴾ في قوله: ﴿فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ﴾، وقرأ قتادة ومجاهد وابن وثاب وأبو جعفر والأعرج وابن كثير: بهمزة بعدها مدة مطولة، وقرأ ابن عامر: بهمزتين حققهما ابن ذكران، وليَّن الثانية هشام. وابن كثير في رواية، وعن هشام: الفصل بين المحقَّقَة والمَلَيَّنَة بألف. وهذا الاستفهام على معنى التوبيخ والتقرير، فهو خبر في المعنى، فلذلك حسنت ﴿الفاء﴾ بعدها، ولو كان استفهامًا محضًا.. لم تدخل ﴿الفاء﴾.
﴿فَالْيَوْمَ﴾؛ أي: ففي هذا اليوم الحاضر؛ يعني يوم القيامة ﴿تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾؛ أي: الذل والحقارة؛ أي: العذاب الذي فيه ذلّ، لكم وخزي عليكم، وقرىء: الهوان، وهو والهون بمعنى واحد.
ثم بين تلك الكناية بقوله: ﴿بِمَا كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿تَسْتَكْبِرُونَ﴾ وتترفعون عن الإيمان ﴿فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾؛ أي: بغير استحقاق لذلك.
وفيه إشارة (٢) إلى أنّ الاستكبار إذا كان بحق، كالاستكبار على الظلمة.. لا ينكر ﴿وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ﴾؛ أي: تخرجون عن طاعة الله تعالى؛ أي: تجزون عذاب الهون بسبب استكباركم، وفسقكم المستمرين، علّل سبحانه ذلك العذاب بأمرين:
أحدهما: الاستكبار عن قبول الحق والإيمان بمحمد - ﷺ -، وهو ذنب القلب.

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon