بقولك.
قال ابن الشيخ: قال أوّلًا: ﴿مَا ضَلَّ﴾، ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢)﴾ بصيغة الماضي، ثم قال: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣)﴾ بصيغة المستقبل بيانًا لحاله قبل البعثة وبعدها، أي: ما ضل، وما غوى حين اعتزلكم وما تعبدون قبل أن يبعث رسولًا، وما ينطق عن الهوى الآن، حين يتلو عليكم آيات ربه، انتهى.
٤ - ﴿إِنْ هُوَ﴾؛ أي: ما الذي ينطق به محمد - ﷺ - من القرآن، وغيره ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)﴾ من الله سبحانه وتعالى. وقوله: ﴿يُوحَى﴾ إليه بواسطة جبرئيل عليه السلام صفة مؤكدة لوحي، رافعة لاحتمال المجاز، مفيدة للاستمرار التجددي. يعني: أن فائدة الوصف التنبيه على أنه وحي حقيقة، لا أنه يسمى به مجازًا. والوحي قد يكون اسمًا بمعنى الكتاب الإلهي، وقد يكون مصدرًا. وله معان: الإرسال، والإلهام، والكتابة، والكلام، والإشارة، والإفهام.
وفيه (١) إشارة إلى أن النبي - ﷺ - قد فني عن ذاته، وصفاته، وأفعاله في ذات الله، وصفاته، وأفعاله. بحيث لم يبق منه لا اسم، ولا رسم، ولا أثر، ولا عين. فكان ناطقًا بنطق الحق، لا بنطق البشرية. فلا يتوهم فيه أن يجري عليه الخطرات الشيطانية، والهواجس النفسانية. وقال بعض المفسرين (٢): إن قوله: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ﴾ رد لقولهم: إنه مجنون. وقوله: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢)﴾ رد لقولهم: ﴿هُوَ شَاعِرٌ﴾؛ أي: ليس بينه وبين الغواية تعلق وارتباط.
وقوله: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾، وقوله: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣)﴾ رد لقولهم: كاهن. وقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)﴾ تأكيد لما تقدم؛ أي: فلا هو بقول كاهن، ولا هو بقول شاعر. والهوى كما سيأتي الميل إلى الشهوات والمستلذات من غير داعية الشرع.
٥ - ﴿عَلَّمَهُ﴾ أي: علم صاحبكم محمدًا - ﷺ - القرآن ملك شديد القوى؛ أي: نزل به عليه، وقرأه عليه، وبينه له. هذا على أن يكون الوحي بمعنى الكتاب. وإن كان بمعنى الإلهام، فتعليمه بتبليغه إلى قلبه. فيكون كقوله: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى
(٢) المراغي.