يشتركون مع النبي - ﷺ - في جنة عدن بدون أن يتجاوزوا إلى مقامه المخصوص به، فكذا الملائكة يشتركون مع جبريل في السدرة بدون أن يتعدّوا إلى ما خص به من المكان، وقيل: إليها ينتهي علم الخلائق، وأعمالهم، ولا يعلم أحد ما وراءها.
١٥ - ﴿عِنْدَهَا﴾؛ أي: عند تلك السدرة ﴿جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾؛ أي: جنة تعرف بجنة المأوى. وسميت جنة المأوى؛ لأنه أوى إليها آدم. وقيل: إن أرواح المؤمنين تأوى إليها، وتنزل فيها. وقرأ الجمهور (١) ﴿جَنَّةُ﴾ برفع جنه، على أنها مبتدأ وخبرها الظرف المتقدم. والجملة حال من ﴿سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾. قيل: الأحسن أن يكون الحال هو الظرف، و ﴿جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾ مرتفع به بالفاعلية، وإضافة الجنة إلى المأوى مثل إضافة مسجد الجامع؛ أي: الجنة التي يأوي إليها المتقون. وقرأ علي، وأبو الدرداء، وأبو هريرة، وابن الزبير، وأنس، وزر بن حبيش، ومحمد بن كعب، وقتادة، ومجاهد، وأبو سبرة الجهني ﴿جَنَّهُ المأوى﴾ بهاء الضمير، وجن فعل ماض من حن يجن، والهاء ضمير النبي - ﷺ -، مفعول به، و ﴿الْمَأْوَى﴾ فاعل؛ أي: عندها ستره إيواء الله تعالى، وجميل صنعه. وقيل: المعنى: ضمه المبيت والليل. وقيل: جنه بظلاله، ودخل فيه. وقال الأخفش: أدركه المأوى، كما تقول: جنه الليل؛ أي: ستره، وأدركه. وردت عائشة وصحابة معها هذه القراءة، وقالوا: أَجَنَّ الله من قرأها.
ومعنى الآية: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى...﴾ إلخ؛ أي (٢): ولقد رأى النبي - ﷺ - جبريل في صورته الأصلية التي خلقه الله عليها عند شجرة النبق التي ينتهي إليها علم كل عالم، وما ورائها لا يعلمه إلا الله، قاله ابن عباس. وقد يكون المراد بالمنتهى: الله عزّ وجلّ؛ أي: سدرة الله الذي إليه المنتهى، كما قال سبحانه: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (٤٢)﴾. وعند هذه السدرة التي يأوي المتقون يوم القيامة، قاله الحسن البصري.
وعلينا أن نؤمن بهذه الشجرة كما وصفها الله سبحانه، ولا نعين مكانها، ولا نصفها بأوصاف أكثر مما وصفها به الكتاب الكريم، إلا إذا ورد عن المعصوم - ﷺ - ما يبين ذلك، ويثبت لدينا بالتواتر؛ لأن ذلك من علم الغيب الذي لم يؤذن لنا بعلمه. روى أحمد، ومسلم، والترمذي، وغيرهم أنها في السماه السابعة، ثمرها
(٢) المراغي.